يَومَئِذٍ الحُسَينَ عليه السلام وهُوَ يَقولُ: قَتَلَ اللَّهُ قَوماً قَتَلوكَ يا بُنَيَّ، ما أجرَأَهُم عَلَى اللَّهِ! وعَلَى انتِهاكِ حُرمَةِ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله! ثُمَّ قالَ : عَلَى الدُّنيا بَعدَكَ العَفاءُ.
قالَ حُمَيدٌ: وكَأَنّي أنظُرُ إلَى امرَأَةٍ خَرَجَت مُسرِعَةً كَأَنَّهَا الشَّمسُ الطّالِعَةُ ، تُنادي يا حَبيباه! يَا بنَ أخاه! فَسَأَلتُ عَنها فَقالوا: هذِهِ زَينَبُ بِنتُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام، ثُمَّ جاءَت حَتَّى انكَبَّت عَلَيهِ، فَجاءَهَا الحُسَينُ عليه السلام فَأَخَذَ بِيَدِها إلَى الفُسطاطِ، وأقبَلَ إلَى ابنِهِ، وأقبَلَ فِتيانُهُ إلَيهِ فَقالَ : اِحمِلوا أخاكُم، فَحَمَلوهُ مِن مَصرَعِهِ ذلِكَ، ثُمَّ جاءَ بِهِ حَتّى وَضَعَهُ بَينَ يَدَي فُسطاطِهِ.
حَدَّثَني أحمَدُ بنُ سَعيدٍ، قالَ: حَدَّثَني يَحيَى بنُ الحَسَنِ العَلَوِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا غَيرُ واحِدٍ ، عَن مُحَمَّدِ بنِ عُمَيرٍ ، عَن أحمَدَ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ البَصرِيِّ ، عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهدِيٍّ ، عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ ، عَن سَعيدِ بنِ ثابِتٍ ، قالَ: لَمّا بَرَزَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام إلَيهِم، أرخَى الحُسَينُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وسَلامُهُ عَينَيهِ فَبَكى، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ كُن أنتَ الشَّهيدَ عَلَيهِم، فَبَرَزَ إلِيهِم غُلامٌ أشبَهُ الخَلقِ بِرَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .
فَجَعَلَ يَشُدُّ عَلَيهِم، ثُمَّ يَرجِعُ إلى أبيهِ فَيَقولُ: يا أبَه العَطَشُ! فَيَقولُ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام: اِصبِر حَبيبي؛ فَإِنَّكَ لا تُمسي حَتّى يَسقِيَكَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِكَأسِهِ، وجَعَلَ يَكُرُّ كَرَّةً بَعدَ كَرَّةٍ، حَتّى رُمِيَ بِسَهمٍ فَوَقَعَ في حَلقِهِ فَخَرَقَهُ، وأقبَلَ يَنقَلِبُ في دَمِهِ، ثُمَّ نادى: يا أبَتاه، عَلَيكَ السَّلامُ، هذا جَدّي رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يُقرِئُكَ السَّلامَ، ويَقولُ: عَجِّلِ القُدومَ إلَينا ، وشَهِقَ شَهقَةً فارَقَ الدُّنيا . ۱
۹۹۸.المناقب لابن شهر آشوب : تَقَدَّمَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ الأَكبَرُ عليه السلام ، وهُوَ ابنُ ثَمانَ عَشرَةَ سَنَةً، ويُقالُ : اِبنُ خَمسٍ وعِشرينَ، وكانَ يُشَبَّهُ بِرَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَلقاً وخُلُقاً ونُطقاً، وجَعَلَ يَرتَجِزُ ويَقولُ:
أنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيّمِن عُصبَةٍ جَدُّ أبيهِمُ النَّبِيّ
نَحنُ وبَيتِ اللَّهِ أولى بِالوَصِيّوَاللَّهِ لا يَحكُمُ فينَا ابنُ الدَّعِيّ
أضرِبُكُم بِالسَّيفِ أحمي عَن أبيأطعَنُكُم بِالرُّمحِ حَتّى يَنثَني
طَعنَ غُلامٍ هاشِمِيٍّ عَلَوِيّ
فَقَتَلَ سَبعينَ مُبارِزاً، ثُمَّ رَجَعَ إلى أبيهِ وقَد أصابَتهُ جِراحاتٌ، فَقالَ: يا أبَه العَطَشُ، فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : يَسقيكَ جَدُّكَ، فَكَرَّ أيضاً عَلَيهِم وهُوَ يَقولُ:
الحَربُ قَد بانَت لَها حَقائِقُوظَهَرَت مِن بَعدِها مَصادِقُ
وَاللَّهِ رَبِّ العَرشِ لا نُفارِقُجُموعَكُم أو تُغمَدُ البَوارِقُ ۲
فَطَعَنَهُ مُرَّةُ بنُ مُنقِذٍ العَبدِيُّ عَلى ظَهرِهِ غَدراً، فَضَرَبوهُ بِالسَّيفِ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام: عَلَى الدُّنيا بَعدَكَ العَفا، وضَمَّهُ إلى صَدرِهِ وأتى بِهِ إلى بابِ الفُسطاطِ، فَصارَت اُمُّهُ شَهرَبانَوَيهِ وَلهى ، تَنظُرُ إلَيهِ ولا تَتَكَلَّمُ، فَبَقِيَ الحُسَينُ عليه السلام وَحيداً ۳ . ۴
1.مقاتل الطالبيّين: ص ۱۱۵؛ بحار الأنوار: ج ۴۵ ص ۴۵ وراجع : مروج الذهب: ج ۳ ص ۷۱ وسير أعلام النبلاء: ج ۳ ص ۳۰۲ .
2.البَوارِقُ: لَمعَان السُّيوف (مجمع البحرين: ج ۱ ص ۱۴۴ «برق») .
3.ذكرت روايات اُخرى أنّ اُمّ عليّ الأكبر تُدعى «ليلى» . كما أنّ ما دلّ على أنّ عليّاً الأكبر هو أوّل شهيد من أهل البيت عليهم السلام ، فهو يعني أنّ العبّاس وإخوته كانوا أحياءً عند شهادة عليّ الأكبر .
4.المناقب لابن شهرآشوب: ج ۴ ص ۱۰۹ .