اللَّهِ تَعالى أنَّهُ اُتِيَ بِرَأسِ يَحيَى بنِ زَكَرِيّا عليه السلام إلى بَغِيَّةٍ مِن بَغايا بَني إسرائيلَ ، وَالرَّأسُ يَنطِقُ بِالحُجَّةِ عَلَيهِم ؟! أما تَعلَمُ أبا عَبدِ الرَّحمنِ ، أنَّ بَني إسرائيلَ كانوا يَقتُلونَ ما بَينَ طُلوعِ الفَجرِ إلى طُلوعِ الشَّمسِ سَبعينَ نَبِيّاً ، ثُمَّ يَجلِسونَ في أسواقِهِم يَبيعونَ ويَشتَرونَ كُلُّهُم كَأَنَّهُم لَم يَصنَعوا شَيئاً؟! فَلَم يُعَجِّلِ اللَّهُ عَلَيهِم ، ثُمَّ أخَذَهُم بَعدَ ذلِكَ أخذَ عَزيزٍ مُقتَدِرٍ . اِتَّقِ اللَّهَ أبا عَبدِ الرَّحمنِ ولا تَدَعَنَّ نُصرَتي ... .
ثُمَّ أقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلى عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبّاسٍ ، فَقالِ : يَا بنَ عَبّاسٍ ، إنَّكَ ابنُ عُمِّ والِدي ، ولَم تَزَل تَأمُرُ بِالخَيرِ مُنذُ عَرَفتُكَ ، وكُنتَ مَعَ والِدي تُشيرُ عَلَيهِ بِما فيهِ الرَّشادُ ، وقَد كانَ يَستَنصِحُكَ ويَستَشيرُكَ فُتُشيرُ عَلَيهِ بِالصَّوابِ ، فَامضِ إلَى المَدينَةِ في حِفظِ اللَّهِ وكَلائِهِ ، ولا يَخفى عَلَيَّ شَيءٌ مِن أخبارِكَ ، فَإِنّي مُستَوطِنٌ هذَا الحَرَمَ ، ومُقيمٌ فيهِ أبَداً ما رَأَيتُ أهلَهُ يُحبّونّي ويَنصُرونّي ، فَإِذا هُم خَذَلونِي استَبدَلتُ بِهِم غَيرَهُم ، وَاستَعصَمتُ بِالكَلِمَةِ الَّتي قالَها إبراهيمُ الخَليلُ عليه السلام يَومَ اُلقِيَ فِي النّارِ : «حَسِبيَ اللَّهُ ونِعمَ الوَكيلُ» فَكانَتِ النّارُ عَلَيهِ بَرداً وسَلاماً .
قالَ : فَبَكَى ابنُ عَبّاسٍ وابنُ عُمَرَ في ذلِكَ الوَقتِ بُكاءً شَديداً ، وَالحُسَينُ عليه السلام يَبكي مَعَهُما ساعَةً ، ثُمَّ وَدَّعَهُما ، وصارَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبّاسٍ إلَى المَدينَةِ ، وأقامَ الحُسَينُ عليه السلام بِمَكَّةَ .۱
۵۹۶.تذكرة الخواصّ عن هشام بن محمّد : إنَّ حُسَيناً عليه السلام كَثُرَت عَلَيهِ كُتُبُ أهلِ الكوفَةِ ، وتَواتَرَت إلَيهِ رُسُلُهُم : «إن لَم تَصِل إلَينا فَأَنتَ آثِمٌ» ، فَعَزَمَ عَلَى المَسيرِ ، فَجاءَ إلَيهِ ابنُ عَبّاسٍ ونَهاهُ عَن ذلِكَ ، وقالَ لَهُ : يَا بنَ عَمِّ ، إنَّ أهلَ الكوفَةِ قَومٌ غُدُرٌ ، قَتَلوا أباكَ ، وخَذَلوا أخاكَ وطَعَنوهُ وسَلَبوهُ وسَلَّموهُ إلى عَدُوِّهِ ، وفَعَلوا ما فَعَلوا .
فَقالَ : هذِهِ كُتُبُهُم ورُسُلُهُم ، وقَد وَجَبَ عَلَيَّ المَسيرُ لِقِتالِ أعداءِ اللَّهِ . فَبَكَى ابنُ عَبّاسٍ ، وقالَ : واحُسَيناه !۲
۵۹۷.دلائل الإمامة عن عبد اللَّه بن عبّاس : لَقيتُ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ يَخرُجُ إلَى العِراقِ ، فَقُلتُ لَهُ : يَا بنَ رَسولِ اللَّهِ ، لا تَخرُج ، قالَ : فَقالَ لي : يَا بنَ عَبّاسٍ ، أما عَلِمتَ أنّ مَنِيَّتي مِن هُناكَ ، وأنَّ مَصارِعَ أصحابي هُناكَ ؟ فَقُلتُ لَهُ : فَأنّى لَكَ ذلِكَ ؟ قالَ : بِسِرٍّ سُرَّ لي ، وعِلمٍ اُعطيتُهُ .۳