495
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

اللَّهِ تَعالى‏ أنَّهُ اُتِيَ بِرَأسِ يَحيَى بنِ زَكَرِيّا عليه السلام إلى‏ بَغِيَّةٍ مِن بَغايا بَني إسرائيلَ ، وَالرَّأسُ يَنطِقُ بِالحُجَّةِ عَلَيهِم ؟! أما تَعلَمُ أبا عَبدِ الرَّحمنِ ، أنَّ بَني إسرائيلَ كانوا يَقتُلونَ ما بَينَ طُلوعِ الفَجرِ إلى‏ طُلوعِ الشَّمسِ سَبعينَ نَبِيّاً ، ثُمَّ يَجلِسونَ في أسواقِهِم يَبيعونَ ويَشتَرونَ كُلُّهُم كَأَنَّهُم لَم يَصنَعوا شَيئاً؟! فَلَم يُعَجِّلِ اللَّهُ عَلَيهِم ، ثُمَّ أخَذَهُم بَعدَ ذلِكَ أخذَ عَزيزٍ مُقتَدِرٍ . اِتَّقِ اللَّهَ أبا عَبدِ الرَّحمنِ ولا تَدَعَنَّ نُصرَتي ... .
ثُمَّ أقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلى‏ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبّاسٍ ، فَقالِ : يَا بنَ عَبّاسٍ ، إنَّكَ ابنُ عُمِّ والِدي ، ولَم تَزَل تَأمُرُ بِالخَيرِ مُنذُ عَرَفتُكَ ، وكُنتَ مَعَ والِدي تُشيرُ عَلَيهِ بِما فيهِ الرَّشادُ ، وقَد كانَ يَستَنصِحُكَ ويَستَشيرُكَ فُتُشيرُ عَلَيهِ بِالصَّوابِ ، فَامضِ إلَى المَدينَةِ في حِفظِ اللَّهِ وكَلائِهِ ، ولا يَخفى‏ عَلَيَّ شَي‏ءٌ مِن أخبارِكَ ، فَإِنّي مُستَوطِنٌ هذَا الحَرَمَ ، ومُقيمٌ فيهِ أبَداً ما رَأَيتُ أهلَهُ يُحبّونّي ويَنصُرونّي ، فَإِذا هُم خَذَلونِي استَبدَلتُ بِهِم غَيرَهُم ، وَاستَعصَمتُ بِالكَلِمَةِ الَّتي قالَها إبراهيمُ الخَليلُ عليه السلام يَومَ اُلقِيَ فِي النّارِ : «حَسِبيَ اللَّهُ ونِعمَ الوَكيلُ» فَكانَتِ النّارُ عَلَيهِ بَرداً وسَلاماً .
قالَ : فَبَكَى ابنُ عَبّاسٍ وابنُ عُمَرَ في ذلِكَ الوَقتِ بُكاءً شَديداً ، وَالحُسَينُ عليه السلام يَبكي مَعَهُما ساعَةً ، ثُمَّ وَدَّعَهُما ، وصارَ ابنُ عُمَرَ وَابنُ عَبّاسٍ إلَى المَدينَةِ ، وأقامَ الحُسَينُ عليه السلام بِمَكَّةَ .۱

۵۹۶.تذكرة الخواصّ عن هشام بن محمّد : إنَّ حُسَيناً عليه السلام كَثُرَت عَلَيهِ كُتُبُ أهلِ الكوفَةِ ، وتَواتَرَت إلَيهِ رُسُلُهُم : «إن لَم تَصِل إلَينا فَأَنتَ آثِمٌ» ، فَعَزَمَ عَلَى المَسيرِ ، فَجاءَ إلَيهِ ابنُ عَبّاسٍ ونَهاهُ عَن ذلِكَ ، وقالَ لَهُ : يَا بنَ عَمِّ ، إنَّ أهلَ الكوفَةِ قَومٌ غُدُرٌ ، قَتَلوا أباكَ ، وخَذَلوا أخاكَ وطَعَنوهُ وسَلَبوهُ وسَلَّموهُ إلى‏ عَدُوِّهِ ، وفَعَلوا ما فَعَلوا .
فَقالَ : هذِهِ كُتُبُهُم ورُسُلُهُم ، وقَد وَجَبَ عَلَيَّ المَسيرُ لِقِتالِ أعداءِ اللَّهِ . فَبَكَى ابنُ عَبّاسٍ ، وقالَ : واحُسَيناه !۲

۵۹۷.دلائل الإمامة عن عبد اللَّه بن عبّاس : لَقيتُ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ يَخرُجُ إلَى العِراقِ ، فَقُلتُ لَهُ : يَا بنَ رَسولِ اللَّهِ ، لا تَخرُج ، قالَ : فَقالَ لي : يَا بنَ عَبّاسٍ ، أما عَلِمتَ أنّ مَنِيَّتي مِن هُناكَ ، وأنَّ مَصارِعَ أصحابي هُناكَ ؟ فَقُلتُ لَهُ : فَأنّى‏ لَكَ ذلِكَ ؟ قالَ : بِسِرٍّ سُرَّ لي ، وعِلمٍ اُعطيتُهُ .۳

1.الفتوح : ج ۵ ص ۲۳ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۱۹۰ .

2.تذكرة الخواصّ : ص ۲۳۹ .

3.دلائل الإمامة : ص ۱۸۱ ح ۹۶ ، ذوب النضار : ص ۳۰ ، إثبات الهداة : ج ۲ ص ۵۸۸ ح ۶۶ نقلاً عن كتاب مناقب فاطمة وولدها عليهم السلام ، وليس فيهما ذيله من «فقلت له : فأنّى» .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
494

وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً»۱وعَلى‏ مِثلِ هؤُلاءِ تَنزِلُ البَطشَةُ الكُبرى‏ .
وأمّا أنتَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِنَّكَ رَأسُ الفَخارِ بِرَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَابنُ نَظيرَةِ البَتولِ‏۲ ، فَلا تَظُنَّ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أنَّ اللَّهَ غافِلٌ عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ ، وأنَا أشهَدُ أنَّ مَن رَغِبَ عَن مُجاوَرَتِكَ ، وطَمِعَ في مُحارَبَتِكَ ومُحارَبَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَما لَهُ مِن خَلاقٍ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : اللَّهُمَّ اشهَد ! فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : جُعِلتُ فِداكَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ ! كَأَنَّكَ تُريدُني إلى‏ نَفسِكَ ، وتُريدُ مِنّي أن أنصُرَكَ ! وَاللَّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أن لَو ضَرَبتُ بَينَ يَدَيكَ بِسَيفي هذا حَتّى‏ انخَلَعَ جَميعاً مِن كَفّي ، لَما كُنتُ مِمَّن اُوفي مِن حَقِّكَ عُشرَ العُشرِ ، وها أنَا بَينَ يَدَيكَ ، مُرني بِأَمرِكَ .
فَقالَ ابنُ عُمَرَ : مَهلاً ! ذَرنا مِن هذا يَا بنَ عَبّاسٍ . قالَ : ثُمَّ أقبَلَ ابنُ عُمَرَ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَقالَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ، مَهلاً عَمّا قَد عَزَمتَ عَلَيهِ ، وَارجِع مِن هُنا إلَى المَدينَةِ ، وَادخُل في صُلحِ القَومِ ، ولا تَغِب عَن وَطَنِكَ وحَرَمِ جَدِّكَ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ولا تَجعَل لِهؤُلاءِ الَّذينَ لا خَلاقَ لَهُم عَلى‏ نَفسِكَ حُجَّةً وسَبيلاً ، وإن أحببَتَ ألّا تُبايِعَ فَأَنتَ مَتروكٌ حَتّى‏ تَرى‏ بِرَأيِكَ ، فَإِنَّ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ عَسى‏ ألّا يَعيشَ إلّا قَليلاً ، فَيَكفِيَكَ اللَّهُ أمرَهُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : اُفٍّ لِهذَا الكَلامِ أبَداً مادامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ، أسأَلُكَ بِاللَّهِ يا عَبدَ اللَّهِ ، أنَا عِندَكَ عَلى‏ خَطَأٍ مِن أمري هذا ؟ فَإِن كُنتُ عِندَكَ عَلى‏ خَطَأٍ فَرُدَّني ، فَإِنّي أخضَعُ وأسمَعُ واُطيعُ .
فَقالَ ابنُ عُمَرَ : اللَّهُمَّ لا ، ولَم يَكُنِ اللَّهُ تَعالى‏ يَجعَلُ ابنَ بِنتِ رَسولِهِ عَلى‏ خَطَأٍ ، ولَيسَ مِثلُكَ مِن طَهارَتِهِ وصَفوَتِهِ مِنَ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى‏ مِثلِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ بِاسمِ الخِلافَةِ ، ولكن أخشى‏ أن يُضرَبَ وَجهُكَ هذَا الحَسَنُ الجَميلُ بِالسُّيوفِ ، وتَرى‏ مِن هذِهِ الاُمَّةِ ما لا تُحِبُّ ، فَارجِع مَعَنا إلَى المَدينَةِ ، وإن لَم تُحِبَّ أن تُبايِعَ ، فَلا تُبايِع أبداً وَاقعُد في مَنزِلِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : هَيهاتَ يَا بنَ عُمَرَ ، إنَّ القَومَ لا يَترُكونّي ، وإن أصابوني وإن لَم يُصيبوني فَلا يَزالونَ حَتّى‏ اُبايِعَ وأنَا كارِهٌ ، أو يَقتُلوني ، أما تَعلَمُ يا عَبدَ اللَّهِ ، أنَّ مِن هَوانِ هذِهِ الدُّنيا عَلَى

1.النساء : ۱۴۲ و ۱۴۳ .

2.المقصود هنا فاطمة عليها السلام ، والمقصود بالبتول مريم العذراء عليها السلام .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 18751
صفحه از 1479
پرینت  ارسال به