493
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

دَخَلا عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، وقَد عَزَما عَلى‏ أن يَنصَرِفا إلَى المَدينَةِ ، فَقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ : أبا عَبدِ اللَّهِ رَحِمَكَ اللَّهُ ، اِتَّقِ اللَّهَ الَّذي إلَيهِ مَعادُكَ ، فَقَد عَرَفتَ مِن عَداوَةِ أهلِ هذَا البَيتِ لَكُم ، وظُلمَهُم إيّاكُم ، وقَد وَلِيَ النّاسَ هذَا الرُّجُلُ يَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ ، ولَستُ آمَنُ أن يَميلَ النّاسُ إلَيهِ لِمَكانِ هذِهِ الصَّفراءِ وَالبَيضاءِ ، فَيَقتُلونَكَ ويَهلِكُ فيكَ بَشَرٌ كَثيرٌ ؛ فَإِنّي قَد سَمِعتُ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وهُوَ يَقولُ : «حُسَينٌ مَقتولٌ ، ولَئِن قَتَلوهُ وخَذَلوهُ ولَن يَنصُروهُ ، لَيَخذُلُهُمُ اللَّهُ إلى‏ يَومِ القِيامَةِ» .
وأنَا اُشيرُ عَلَيكَ أن تَدخُلَ في صُلحِ ما دَخَلَ فيهِ النّاسُ ، وَاصبِر كَما صَبَرتَ لِمُعاوِيَةَ مِن قَبلُ ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أن يَحكُمَ بَينَكَ وبَينَ القَومِ الظّالِمينَ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : أبا عَبدِ الرَّحمنِ ! أنَا اُبايِعُ يَزيدَ وأدخُلُ في صُلحِهِ ! وقَد قالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله فيهِ وفي أبيهِ ما قالَ؟!
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : صَدَقتَ أبا عَبدِ اللَّهِ ! قالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله في حَياتِهِ : «ما لي ولِيَزيدَ ؟ لا بارَكَ اللَّهُ في يَزيدَ ! وإنَّهُ يَقتُلُ وَلَدِي ووَلَدَ ابنَتِيَ الحُسَينَ ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لا يُقتَلُ وَلَدي بَينَ ظَهرانَي قَومٍ فَلا يَمنَعونَهُ ، إلّا خالَفَ اللَّهُ بَينَ قُلوبِهِم وألسِنَتِهِم» .
ثُمَّ بَكَى ابنُ عَبّاسٍ ، وبَكى‏ مَعَهُ الحُسَينُ عليه السلام ، وقالَ : يَا بنَ عَبّاسٍ ، تَعلَمُ أنِّي ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : اللَّهُمَّ نَعَم ، نَعلَمُ ونَعرِفُ أنَّ ما فِي الدُّنيا أحَدٌ هُوَ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله غَيرُكَ ، وأنَّ نَصرَكَ لَفَرضٌ عَلى‏ هذِهِ الاُمَّةِ ، كَفَريضَةِ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ الَّتي لا يُقدَرُ أن يُقبَلَ أحَدُهُما دونَ الاُخرى‏ .
قالَ الحُسَينُ عليه السلام : يَابنَ عَبّاسٍ ، فَماتَقولُ في قَومٍ أخرَجُوا ابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِن دارِهِ وقَرارِهِ ، ومَولِدِهِ وحَرَمِ رَسولِهِ ، ومُجاوَرَةِ قَبرِهِ ومَولِدِهِ ، ومَسجِدِهِ ومَوضِعِ مُهاجَرِهِ ، فَتَرَكوهُ خائِفاً مَرعوباً لا يَستَقِرُّ في قَرارٍ ، ولا يأوي في مَوطِنٍ ، يُريدونَ في ذلِكَ قَتلَهُ وسَفكَ دَمِهِ ، وهُوَ لَم يُشرِك بِاللَّهِ شَيئاً ، ولَا اتَّخَذَ مِن دونِهِ وَلِيّاً ، ولَم يَتَغَيَّر عَمّا كانَ عَلَيهِ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَالخُلَفاءُ مِن بَعدِهِ ؟
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : ما أقولُ فيهِم إلّا «أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى‏»۱«يُرَاؤُنَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لَا إِلَى‏ هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى‏ هَؤُلَاءِ

1.التوبة : ۵۴ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
492

عَشرِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّينَ - فَأَبَى الحُسَينُ عليه السلام إلّا أن يَمضِيَ إلَى العِراقِ .
فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : وَاللَّهِ إنّي لَأَظُنُّكَ سَتُقتَلُ غَداً بَينَ نِسائِكَ وبَناتِكَ كَما قُتِلَ عُثمانُ بَينَ نِسائِهِ وبَناتِهِ ، وَاللَّهِ إنّي لَأَخافُ أن تَكونَ الَّذي يُقادُ بِهِ عُثمانُ ! فَإِنّا للَّهِ‏ِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ! فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : أبَا العَبّاسِ ، إنَّكَ شَيخٌ قَد كَبَرتَ .
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : لَولا أن يُزرِيَ ذلِكَ بي أو بِكَ لَنَشَبتُ يَدَيَّ في رَأسِكَ ، ولَو أعلَمُ أنّا إذا تَناصَينا أقمتَ لَفَعَلتُ ، ولكن لا أخالُ ذلِكَ نافِعي !
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : لَأَن اُقتَلَ بِمَكانِ كَذا و كَذا أحَبُّ إلَيَّ أن تُستَحَلَّ بي - يَعني مَكَّةَ - قالَ : فَبَكَى ابنُ عَبّاسٍ وقالَ : أقرَرتَ عَينَ ابنِ الزُّبَيرِ . فَذاكَ الَّذي سَلا بِنَفسي عَنهُ .
ثُمَّ خَرَجَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَبّاسٍ مِن عِندِهِ وهُوَ مُغضَبٌ ، وَابنُ الزُّبَيرِ عَلَى البابِ ، فَلَمّا رَآهُ قالَ : يَابنَ الزُّبَيرِ ، قَد أتى‏ ما أحبَبتَ ، قَرَّت عَينُكَ ، هذا أبو عَبدِ اللَّهِ يَخرُجُ ويَترُكُكَ وَالحِجازَ :


يا لَكِ مِن قُبَّرَةٍ بمَعمَرِخَلا لَكِ الجَوُّ فَبيضي وَاصفِري‏
ونَقِّري ما شِئتِ أن تُنَقِّري .
۱

۵۹۵.الفتوح : دَخَلَ الحُسَينُ عليه السلام إلى‏ مَكَّةَ ، فَفَرِحَ بِهِ أهلُها فَرَحاً شَديداً ، قالَ : وجَعَلوا يَختَلِفونَ إلَيهِ بُكرَةً وعَشِيَّةً ، وَاشتَدَّ ذلِكَ عَلى‏ عَبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَد كانَ طَمِعَ أن يُبايِعَهُ أهلُ مَكَّةَ ، فَلَمّا قَدِمَ الحُسَينُ عليه السلام شَقَّ ذلِكَ عَلَيهِ ، غَيرَ أنَّهُ لا يُبدي ما في قَلبِهِ إلَى الحُسَين عليه السلام ، لكِنَّهُ يَختَلِفُ إلَيهِ ويُصَلّي بِصَلاتِهِ ، ويَقعُدُ عِندَهُ ويَسمَعُ مِن حَديثِهِ ، و هُوَ مَعَ ذلِكَ يَعلَمُ أنَّهُ لا يُبايِعُهُ أحَدٌ مِن أهلِ مَكَّةَ وَالحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام بِها ؛ لِأَنَّ الحُسَينُ عليه السلام عِندَهُم أعظَمُ في أنفُسِهِم مِنِ ابنِ الزُّبَيرِ .
قالَ : وبَلَغَ ذلِكَ أهلَ الكوفَةِ أنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام قَد صارَ إلى‏ مَكَّةَ . وأقامَ الحُسَينُ عليه السلام بِمَكَّةَ باقِيَ شَهرِ شَعبانَ ورَمَضانَ وشَوّالَ وذِي القِعدَةِ .
قالَ : وبِمَكَّةَ يَومَئِذٍ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَبّاسٍ و عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَأَقبَلا جَميعاً حَتّى‏

1.الطبقات الكبرى (الطبقة الخامسة من الصحابة) : ج ۱ ص ۴۵۰ ، تهذيب الكمال : ج ۶ ص ۴۲۰ ، تاريخ دمشق : ج ۱۴ ص ۲۱۱ ، بغية الطلب في تاريخ حلب : ج ۶ ص ۲۶۱۱ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۹ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۹۷ كلاهما نحوه وليس فيهما صدره إلى «يمضي إلى العراق» ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۶۴ .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 18762
صفحه از 1479
پرینت  ارسال به