۵۲۴.مروج الذهب : دَخَلَ أبو بَكرِ بنِ الحارِثِ۱ بنِ هِشامٍ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَقالَ : يَا بنَ عَمِّ ، إنَّ الرَّحِمَ يُظائِرُني عَلَيكَ ، ولا أدري كَيفَ أنَا فِي النَّصيحَةِ لَكَ؟
فَقالَ : يا أبا بَكرٍ ، ما أنتَ مِمَّن يُستَغَشُّ ولا يُتَّهَمُ ، فَقُل .
فَقالَ أبو بَكرٍ : كانَ أبوكَ أقدَمَ سابِقَةً ، وأحسَنَ فِي الإِسلامِ أثَراً ، وأشَدَّ بَأساً ، وَالناسُ لَه أرجى ، ومِنهُ أسمَعَ ، وعَلَيهِ أجمَعَ ، فَسارَ إلى مُعاوِيَةَ وَالنّاسُ مُجتَمِعونَ عَلَيهِ ، إلّا أهلَ الشّامِ ، وهُوَ أعَزُّ مِنهُ ، فَخَذَلوهُ وتَثاقَلوا عَنهُ ، حِرصاً عَلَى الدُّنيا وضَنّاً بِها ، فَجَرَّعوهُ الغَيظَ ، وخالَفوهُ ، حَتّى صارَ إلى ما صارَ إلَيهِ مِن كَرامَةِ اللَّهِ ورِضوانِهِ .
ثُمَّ صَنَعوا بِأَخيكَ بَعدَ أبيكَ ما صَنَعوا ، وقَد شَهِدتَ ذلِكَ كُلَّهُ ورَأَيتَهُ ، ثُمَّ أنتَ تُريدُ أن تَسيرَ إلَى الَّذينَ عَدَوا عَلى أبيكَ وأخيكَ ، تُقاتِلُ بِهِم أهلَ الشّامِ وأهلَ العِراقِ ، ومن هُوَ أعَدُّ مِنكَ وأقوى ، وَالنّاسُ مِنهُ أخوَفُ ولَهُ أرجى ! فَلَو بَلَغَهُم مَسيرُكَ إلَيهِم لَاستَطغَوُا النّاسَ بِالأَموالِ ، وهُم عَبيدُ الدُّنيا ، فَيُقاتِلُكَ مَن وَعَدَكَ أن يَنصُرَكَ ، ويَخذُلُكَ مَن أنتَ أحَبُّ إلَيهِ مِمَّن يَنصُرُهُ ، فَاذكُرِ اللَّهَ في نَفسِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : جَزاكَ اللَّهُ خَيراً يَابنَ عَمِّ ، فَقَد أجهَدَكَ رَأيُكَ ، وَمهما يَقضِ اللَّهُ يَكُن .
فَقالَ : إنّا للَّهِِ ! وعِندَ اللَّهِ نَحتَسِبُ يا أبا۲ عَبدِ اللَّهِ . ثُمَّ دَخَلَ عَلَى الحارِثِ بنِ خالِدِ بنِ العاصِ بنِ هِشامٍ المَخزومِيِّ - والي مَكَّةَ - وهُوَ يَقولُ :
كَم نَرى ناصِحاً يَقولُ فَيُعصىوظَنينَ المَغيبِ يُلفى نَصيحاً
فَقالَ : وما ذاكَ ؟ فَأَخبَرَهُ بِما قالَ لِلحُسَينِ عليه السلام ، فَقالَ : نَصَحتَ لَهُ ورَبِّ الكَعبَةِ .۳
۵۲۵.مثير الأحزان : جاءَ إلَيهِ [أي إلَى الحُسَينِ عليه السلام] أبو بَكرِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارِثِ بنِ هِشامٍ ، فَأَشارَ إلَيهِ بِتَركِ ما عَزَمَ عَلَيهِ ، وبالَغَ في نُصحِهِ ، وذَكَّرَهُ بِما فُعِلَ بِأَبيهِ وأخيهِ ، فَشَكَرَ لَهُ وقالَ : قَدِ اجتَهَدتَ رَأيَكَ ، ومَهما يَقضِ اللَّهُ يَكُن . فَقالَ : إنّا عِندَ اللَّهِ نَحتَسِبُكَ .