قَد جَعَلتُكُم اُمناءَ عَلَيهِم ؛ لِئَلّا يَظلِموا أحَداً .
وأمّا قَولُكَ فِي السَّخاءِ فَوَاللَّهِ ، ما كان لي مالٌ فَأَجودَ بِهِ عَلَيكُم ، ولَو شِئتُ لَأَخَذتُ بَعضَ مالِكُم ، فَخَصَصتُ بِهِ بَعضَكُم دونَ بَعضٍ ، فَيَقولونَ ما أسخاهُ ! ولكِنّي عَمَّمتُكُم ، وكانَ عِندي أنفَعَ لَكُم .
وأمّا قَولُكَ : لَيتَني لَم أكُن قَتَلتُ مَن قَتَلتُ ، فَما عَمِلتُ بَعدَ كَلِمَةِ الإِخلاصِ عَمَلاً هُوَ أقرَبُ إلَى اللَّهِ عِندي مِن قَتلي مَن قَتَلتُ مِنَ الخَوارِجِ .
ولكِنّي سَاُخبِرُكَ بِما حَدَّثتُ بِهِ نَفسي .
قُلتُ : لَيتَني كُنتُ قاتَلتُ أهلَ البَصرَةِ ، فَإِنَّهُم بايَعوني طائِعينَ غَيرَ مُكرَهينَ ، وَايمُ اللَّهِ ، لَقَد حَرَصتُ عَلى ذلِكَ ، ولكِنَّ بَني زِيادٍ أتَوني ، فَقالوا : إنَّكَ إذا قاتَلتَهُم فَظَهَروا عَلَيكَ لَم يُبقوا مِنّا أحَداً ، وإن تَرَكتَهُم تَغَيَّبَ الرَّجُلُ مِنّا عِندَ أخوالِهِ وأصهارِهِ ، فَرَفَقتُ لَهُم ، فَلَم اُقاتِل .
وكُنتُ أقولُ : لَيتَني كُنتُ أخرَجتُ أهلَ السِّجنِ فَضَرَبتُ أعناقَهم ، فَأَمّا إذ فاتَت هاتانِ فَلَيتَني كُنتُ أقدَمُ الشّامَ ولَم يُبرِموا أمراً .
قالَ بَعضُهُم : فَقَدِمَ الشّامَ ولَم يُبرِموا أمراً ، فَكَأَنَّما كانوا مَعَهُ صِبياناً ، وقالَ بَعضُهُم : قَدِمَ الشّامَ وقَد أبرَموا ، فَنَقَضَ ما أبرَموا إلى رَأيِه .۱
۱۷۹۱.البداية والنهاية : ثُمَّ دَخَلَت سَنَةُ سَبعٍ وسِتّينَ ، فَفيها كانَ مَقتلُ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ عَلى يَدَي إبراهيمَ بنِ الأَشتَرِ النَّخَعِيِّ ، وذلِكَ أنَّ إبراهيمَ بنَ الأَشتَرِ خَرَجَ مِنَ الكوفَةِ يَومَ السَّبتِ لِثَمانٍ بَقينَ مِن ذِي الحِجَّةِ فِي السَّنَةِ الماضِيَةِ ، ثُمَّ استَهَلَّت هذِهِ السَّنَةُ وهُوَ سائِرٌ لِقَصدِ ابنِ زِيادٍ في أرضِ المَوصِلِ ، فَكانَ اجتِماعُهُما بِمَكانٍ يُقالُ لَهُ الخازِرُ ، بَينَهُ وبَينَ المَوصِلِ خَمسَةٌ فَراسِخَ ، فَباتَ ابنُ الأَشتَرِ تِلكَ اللَّيلَةَ ساهِراً لا يَستَطيعُ النَّومَ ، فَلَمّا كانَ قَريبُ الصُّبحِ نَهَضَ ، فَعَبّى جَيشَهُ ، وكَتَّبَ كَتائِبَهُ ، وصَلّى بِأَصحابِهِ الفَجرَ في أوَّلِ وَقتٍ ، ثُمَّ رَكِبَ ، فَناهَضَ جَيشَ ابنَ زِيادٍ ، وزَحَفَ بِجَيشِهِ رُوَيداً وهُوَ ماشٍ فِي الرَّجّالَةِ ، حَتّى أشرَفَ مِن فَوقِ تَلٍّ عَلى جَيشِ ابنِ زِيادٍ ، فَإِذا هُم لَم يَتَحَرَّك مِنهُم أحَدٌ ، فَلَمّا رَأَوهُم نَهَضوا إلى خَيلِهِم وسِلاحِهِم مَدهوشينَ .