1239
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

قَد جَعَلتُكُم اُمناءَ عَلَيهِم ؛ لِئَلّا يَظلِموا أحَداً .
وأمّا قَولُكَ فِي السَّخاءِ فَوَاللَّهِ ، ما كان لي مالٌ فَأَجودَ بِهِ عَلَيكُم ، ولَو شِئتُ لَأَخَذتُ بَعضَ مالِكُم ، فَخَصَصتُ بِهِ بَعضَكُم دونَ بَعضٍ ، فَيَقولونَ ما أسخاهُ ! ولكِنّي عَمَّمتُكُم ، وكانَ عِندي أنفَعَ لَكُم .
وأمّا قَولُكَ : لَيتَني لَم أكُن قَتَلتُ مَن قَتَلتُ ، فَما عَمِلتُ بَعدَ كَلِمَةِ الإِخلاصِ عَمَلاً هُوَ أقرَبُ إلَى اللَّهِ عِندي مِن قَتلي مَن قَتَلتُ مِنَ الخَوارِجِ .
ولكِنّي سَاُخبِرُكَ بِما حَدَّثتُ بِهِ نَفسي .
قُلتُ : لَيتَني كُنتُ قاتَلتُ أهلَ البَصرَةِ ، فَإِنَّهُم بايَعوني طائِعينَ غَيرَ مُكرَهينَ ، وَايمُ اللَّهِ ، لَقَد حَرَصتُ عَلى‏ ذلِكَ ، ولكِنَّ بَني زِيادٍ أتَوني ، فَقالوا : إنَّكَ إذا قاتَلتَهُم فَظَهَروا عَلَيكَ لَم يُبقوا مِنّا أحَداً ، وإن تَرَكتَهُم تَغَيَّبَ الرَّجُلُ مِنّا عِندَ أخوالِهِ وأصهارِهِ ، فَرَفَقتُ لَهُم ، فَلَم اُقاتِل .
وكُنتُ أقولُ : لَيتَني كُنتُ أخرَجتُ أهلَ السِّجنِ فَضَرَبتُ أعناقَهم ، فَأَمّا إذ فاتَت هاتانِ فَلَيتَني كُنتُ أقدَمُ الشّامَ ولَم يُبرِموا أمراً .
قالَ بَعضُهُم : فَقَدِمَ الشّامَ ولَم يُبرِموا أمراً ، فَكَأَنَّما كانوا مَعَهُ صِبياناً ، وقالَ بَعضُهُم : قَدِمَ الشّامَ وقَد أبرَموا ، فَنَقَضَ ما أبرَموا إلى‏ رَأيِه .۱

۱۷۹۱.البداية والنهاية : ثُمَّ دَخَلَت سَنَةُ سَبعٍ وسِتّينَ ، فَفيها كانَ مَقتلُ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ عَلى‏ يَدَي إبراهيمَ بنِ الأَشتَرِ النَّخَعِيِّ ، وذلِكَ أنَّ إبراهيمَ بنَ الأَشتَرِ خَرَجَ مِنَ الكوفَةِ يَومَ السَّبتِ لِثَمانٍ بَقينَ مِن ذِي الحِجَّةِ فِي السَّنَةِ الماضِيَةِ ، ثُمَّ استَهَلَّت هذِهِ السَّنَةُ وهُوَ سائِرٌ لِقَصدِ ابنِ زِيادٍ في أرضِ المَوصِلِ ، فَكانَ اجتِماعُهُما بِمَكانٍ يُقالُ لَهُ الخازِرُ ، بَينَهُ وبَينَ المَوصِلِ خَمسَةٌ فَراسِخَ ، فَباتَ ابنُ الأَشتَرِ تِلكَ اللَّيلَةَ ساهِراً لا يَستَطيعُ النَّومَ ، فَلَمّا كانَ قَريبُ الصُّبحِ نَهَضَ ، فَعَبّى‏ جَيشَهُ ، وكَتَّبَ كَتائِبَهُ ، وصَلّى‏ بِأَصحابِهِ الفَجرَ في أوَّلِ وَقتٍ ، ثُمَّ رَكِبَ ، فَناهَضَ جَيشَ ابنَ زِيادٍ ، وزَحَفَ بِجَيشِهِ رُوَيداً وهُوَ ماشٍ فِي الرَّجّالَةِ ، حَتّى‏ أشرَفَ مِن فَوقِ تَلٍّ عَلى‏ جَيشِ ابنِ زِيادٍ ، فَإِذا هُم لَم يَتَحَرَّك مِنهُم أحَدٌ ، فَلَمّا رَأَوهُم نَهَضوا إلى‏ خَيلِهِم وسِلاحِهِم مَدهوشينَ .

1.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۵۲۲ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۶۱۱ نحوه وراجع : الأخبار الطوال : ص ۲۸۴ والفتوح : ج ۵ ص ۱۶۸ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
1238

فَاُلقِيَت لَهُ قَطيفَةٌ عَلى‏ حِمارٍ ، فَرَكِبَهُ ، وإنَّ رِجلَيهِ لَتَكادانِ تَخُدّانِ فِي الأَرضِ .
قالَ اليَشكُرِيُّ : فَإِنَّهُ لَيَسيرُ أمامي ، إذ سَكَتَ سَكتَةً فَأَطالَها .
فَقُلتُ في نَفسي : هذا عُبَيدُ اللَّهِ أميرُ العِراقِ أمسِ ، نائِمٌ السّاعَةَ عَلى‏ حِمارٍ لَو قَد سَقَطَ مِنهُ أعنَتَهُ ، ثُمَّ قُلتُ : وَاللَّهِ ، لَئِن كانَ نائِماً لَاُنَغصَنَّ عَلَيهِ نَومَهُ ، فَدَنَوتُ مِنهُ ، فَقُلتُ : أنائِمٌ أنتَ ؟ قالَ : لا ، قُلتُ : فَما أسكَتَكَ ؟ قالَ : كُنتُ اُحَدِّثُ نَفسي .
قُلتُ : أفَلا اُحُدِّثُكَ ما كُنتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفسَكَ ؟ قالَ : هاتِ ، فَوَاللَّهِ ، ما أراكَ تَكيسُ‏۱ ولا تُصيبُ .
قالَ : قُلتُ : كُنتَ تَقولُ : لَيتَني لَم أقتُلِ الحُسَينَ .
قالَ : وماذا ؟ قُلتُ : تَقولُ : لَيتَني لَم أكُن قَتَلتُ مَن قَتَلتُ .
قالَ : وماذا ؟ قُلتُ : كُنتَ تَقولُ : لَيتَني لَم أكُن بَنَيتُ البَيضاءَ .۲
قالَ: وماذا ؟ قُلتُ : تَقولُ : لَيتَني لَم أكُنِ استَعمَلتُ الدَّهاقينِ .
قالَ : وماذا ؟ قُلتُ : وتَقولُ : لَيتَني كُنتُ أسخى‏ مِمّا كُنتُ .
قالَ : فَقالَ : وَاللَّهِ ، ما نَطَقتَ بِصَوابٍ ، ولا سَكَتُّ عَن خَطَأٍ .
أمَّا الحُسَينُ فَإِنَّهُ سارَ إلَيَّ يُريدُ قَتلي ، فَاختَرتُ قَتلَهُ عَلى‏ أن يَقتُلَني .
وأمَّا البَيضاءُ فَإِنِّي اشتَرَيتُها مِن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُثمانَ الثَّقَفِيِّ ، وأرسَلَ يَزيدُ بِأَلفِ ألفٍ ، فَأَنفَقتُها عَلَيها ، فَإِن بَقيتُ فَلِأَهلي ، وإن هَلَكتُ لَم آسَ عَلَيها مِمّا لمَ اُعَنِّف فيهِ .
وأمَّا استِعمالُ الدَّهاقينَ فَإِنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي بَكرَةَ وزاذانَ فَرُوخَ وَقَعا فِيَّ عِندَ مُعاوِيَةَ حَتّى‏ ذَكَرا قُشورَ الأَرُزِّ ، فَبَلَغا بِخَراجِ العِراقِ مِئَةَ ألفِ ألفٍ ، فَخَيَّرَني مُعاوِيَةُ بَينَ الضَّمانِ وَالعَزلِ ، فَكَرِهتُ العَزلَ ، فَكُنتُ إذَا استَعمَلتُ الرَّجُلَ مِنَ العَرَبِ ، فَكَسَرَ الخَراجَ ، فَتَقَدَّمتُ إلَيهِ أو أغرَمتُ صُدورَ قَومِهِ ، أو أغرَمتُ عَشيرَتَهُ أضرَرتُ بِهِم ، وإن تَرَكتُهُ تَرَكتُ مالَ اللَّهِ وأنَا أعرِفُ مَكانَهُ ، فَوَجَدتُ الدَّهاقينَ أبصَرَ بِالجِبايَةِ ، وأوفى‏ بِالأَمانَةِ ، وأهوَنَ فِي المُطالَبَةِ مِنكُم ، مَعَ أنّي

1.الكَيس : العقل (لسان العرب : ج ۶ ص ۲۰۱ «كيس») .

2.البيضاءُ : دار بالبصرة لعبيد اللَّه بن زياد بن أبيه (تاج العروس : ج ۱۰ ص ۱۹ «بيض») .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 18745
صفحه از 1479
پرینت  ارسال به