لعمري ، لقد كان من خلافهم إيّاه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه عنهم ، ولكنّه ما حمّ۱نازل ، وإذا أراد اللَّه أمراً لن يدفع ، أفبعد الحسين عليه السلام نطمئنّ إلى هؤلاء القوم ، ونصدّق قولهم ، ونقبل لهم عهداً ؟ لا ، ولا نراهم لذلك أهلاً .
أما واللَّه ، لقد قتلوه طويلاً بالّليل قيامه ، كثيراً في النّهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم ، وأولى به في الدّين والفضل .
أما واللَّه ، ما كان يبدّل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية اللَّه الحداء ،۲ ولا بالصّيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلق الذّكر الرّكض في تطلاب الصّيد ، - يعرّض بيزيد - فسوف يلقون غيّاً .۳
وبعد هذه الخطبة طلب منه أصحابه أن يعلن بيعته وأن يمسك بزمام الحكم رسميّاً .
وقد بعث يزيد جيشاً إلى مكّة مرّتين۴ لقمع ثورة أهلها ، ولكنّه لم يحقّق شيئاً في النهاية ، وفكّ الحصار عن مكّة بموته في الرابع عشر من ربيع الأوّل سنة ۶۴ للهجرة ، وعاد جيش الشام منهزماً.۵
وبعد موت يزيد، بايع أهل الحجاز عبد اللَّه بن الزبير ، ثمّ بايعه أهل العراق .۶
ولكن سوء تدبير ابن الزبير وتعامله السيّئ مع الناس وخاصّة مع بني هاشم ، أدّيا إلى أن يفقد قاعدته الشعبيّة ، فتكبّد هزيمة فادحة خلال هجوم الحجّاج بن يوسف على مكّة ، وقُتل هو أيضاً ، وبذلك انتهى حكمه في أوائل سنة ۷۳ هجرية .۷
1.حُمَّ هذا الأمرُ : إذا قُضِيَ . وحُمَّ له ذلك : قُدِّرَ (لسان العرب : ج۱۲ ص۱۵۱ «حمم» ).
2.حدا بالإبل حدواً وحِداءً: إذا غنّى لها (مجمع البحرين: ج ۱ ص ۳۷۶ «حدا»).
3.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۷۴، الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۵۸۵، تذكرة الخواصّ: ص ۲۶۸ كلاهمانحوه وراجع: البداية والنهاية: ج ۸ ص ۲۱۲ .
4.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۹۸، أنساب الأشراف: ج ۵ ص ۳۵۷، العقد الفريد: ج ۳ ص ۳۷۵، تاريخ دمشق: ج ۲۸ ص ۲۳۰، الفتوح: ج ۵ ص ۱۵۳ - ۱۶۵.
5.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۹۸، أنساب الأشراف: ج ۵ ص ۳۶۲.
6.بايع أهل الشام مروان بن الحكم أيضاً (بحار الأنوار: ج ۴۵ ص ۳۵۴).
7.راجع: تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۸۸، الكامل في التاريخ: ج ۳ ص ۶۹، مروج الذهب: ج ۳ ص ۸۵ و ۸۹، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ۲۰ ص ۱۲۳ .