115
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

ومن المسلّم به أنّ جبرئيل لا يتساءل قائلاً : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ»
في مقابل قول اللَّه تعالى : «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ،۱وإنّما الذي يتساءل هو الملائكة التي كانت لا ترى سوى‏ الوجه الأسود للبشرية ، ولم تكن ترى الوجه الآخر ، فأجابها اللَّه تعالى‏ : «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» .۲
إنّ تلك الصفحة هي الصفحة التي يعترض بسببها الملائكة ، ويكون فيها البشر مُطَأطِئي الرؤوس . وأمّا هذه الصفحة فهي التي تفتخر بها البشرية .
فلماذا يجب أن نطالع حادثة كربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا يجب الحديث عن جرائم كربلاء دوماً؟! ولماذا يجب أن ندرس شخصية الحسين بن عليّ من منظار تعرّضه لجريمة المجرمين دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التي نهتف بها ونكتبها باسم الحسين بن عليّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا نطالع الصفحة المشرقة من هذه القصّة إلّا قليلاً ، في حين أنّ الجانب الملحمي من هذه القصّة يفوق جانبها الإجرامي بمئات المرّات ، وجانبها المشرق يتغلّب على جانبها المظلم كثيراً؟!
إذن علينا أن نعترف أنّنا من الجناة على‏ الحسين بن عليّ ، وذلك أنّنا لا نقرأ من هذا التاريخ سوى‏ صفحةً واحدةً ولا نقرأ الصفحة الاُخرى . ۳

۲ . الاعتماد على المصادر غير المعتبرة

من الآفات التي تهدّد شعائر عزاء الإمام الحسين عليه السلام - خاصّةً في القرون الأخيرة - اعتماد الخطباء ومنشدي المراثي على المصادر الضعيفة وغير الصالحة للاعتماد .۴
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أنّ تاريخ عاشوراء يتمتّع بالمصادر المعتبرة الصالحة للاعتماد أكثر من أيّ موضوع آخر، بل إنّ المثقّفين والواعين من الخطباء الحسينيّين ليسوا بحاجة إلى الاعتماد على المصادر الضعيفة ، كما يقول الشهيد المطهّري :
لو قرأ شخصٌ تاريخ عاشوراء فسوف يرى‏أنّه من‏أكثر التواريخ حيوية وتوثيقاً، ومن أكثرها غزارة في المصادر. وكان المرحوم الآخوند الخراساني‏۵ يقول : إنّ الذين يبحثون عن المصائب غير المسموعة، عليهم أن يبحثوا عن المصائب الصادقة التي لم يسمع بها أحد۶.
ويرى عدد من منشدي المراثي أنّ كلّ ما طُبع ونُشر فهو صالح للاعتماد ، ولا يلحظون قيمة المصدر! يقول المؤلّف الفاضل لكتاب «اللؤلؤ والمرجان» حول بعض المواضيع غير الصحيحة التي اُضيفت إلى زيارة وارث المعتبرة :
رأيت ذات يوم أحد طلبة العلوم الدينية وهو يتلو الأكاذيب القبيحة في مصائب الشهداء ، فوضعت يدي على كتفه، فالتفت إليَّ فقلت له : أليس بقبيح على أهل العلم أن يقولوا مثل هذه الأكاذيب في مثل هذا المكان؟! فقال: أوَليست مروية؟ فتعجّبت وقلت: لا، فقال: رأيتها في كتابٍ، قلتُ : في أيّ كتاب؟ قال: مفتاح الجنان‏۷. فَسَكتُّ ؛ إذ من يبلغ جهله حدّاً بحيث يَعتبر ما جمعه بعض العوامّ كتاباً ويستند إليه ، لا يكون النّقاش مجدياً معه .۸
إنّ الكثير من المعلومات العديمة الأساس والكاذبة التي تؤدّي إلى وهن أهل البيت عليهم السلام وتُطرح للأسف كمراثٍ ، تمتدّ جذورها إلى المصادر الضعيفة ، ولذلك فإنّ معرفة المصادر۹ هو أوّل الشروط لقرّاء المراثي الحقيقيّين ، والذين يفقدون هذا الشرط لا يمتلكون صلاحية ذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام مهما بلغوا من الإخلاص .

1.البقرة : ۳۰ .

2.حماسه حسيني (بالفارسيّة) : ج ۱ ص ۱۲۱ - ۱۲۵.

3.للاطّلاع على المصادر الصالحة للاعتماد والمصادر غير الصالحة للاعتماد في تاريخ عاشوراء (راجع : ص ۲۴ و ۳۰) .

4.الآخوند هو الشيخ محمّد كاظم بن حسين الخراساني المولود سنة ۱۲۵۵ ه . ق في مدينة مشهد، والمتوفّى سنة ۱۳۲۹ ه . ق في النجف الأشرف، من كبار علماء الإمامية ، واُصولي معروف ، كان أوحد زمانه في تدريس اُصول الفقه، وأسهم إسهاماً كبيراً في الحركة الدستورية وثورة إيران السياسية .

5.حماسه حسيني (بالفارسيّة) : ج ۱ ص ۵۶ .

6.مفتاح الجنان في الأدعية والأعمال المتعلّقة بالأيام والشهور والزيارات وبعض الأوراد والختومات ، وقد طُبع مراراً عديدة ، ولا يُعرف جامعه ، إلّا أنّه أورد فيه بعض ما لم يُذكر سنده، بل بعض ما ليس له سند قطعاً (الذريعة : ج‏۲۱ ص‏۳۲۴ الرقم ۵۲۹۴).

7.لؤلؤ ومرجان (بالفارسيّة) : ص ۱۶۴.

8.لمزيد الإطّلاع على المصادر المعتبرة وغير المعتبرة لتاريخ عاشوراء راجع كتباً مثل: معرفي ونقد منابع عاشوراء ، عاشورا پژوهي، كتاب‏شناسي تاريخي إمام حسين عليه السلام ، عاشورا شناسي ؛ عزاداري - عاشورا - تحريفات وعاشورانامه : ج ۴ (كلّها بالفارسيّة) .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
114

فمن وجهة النظر هذه، تعدّ حادثة كربلاء جريمة ومأساة، مصيبة ورثاء. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نرى فيه قتل الأبرياء وقتل الشاب، وقتل الطفل الرضيع، كما نرى فيه وطء الخيول بحوافرها أجساد القتلى ، ومنع الماء عن العطاشى ، وضرب النساء والأطفال بالسياط، وحمل الأسرى على الجمال دون هوادج ووطاء . فمن هذه النظرة من هو البطل في هذه الحادثة؟ من الواضح أنّنا عندما ننظر إلى هذا الحدث من بُعد الجريمة، فإنّ من يتحمّل تلك المصائب والجرائم لا يعدّ بطلاً، وإنّما هو مظلوم. وإنّما البطل في هذه النظرة وهذا البعد هو يزيد بن معاوية، وعبيد اللَّه بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى ، وعدد آخر . ولذلك فنحن حينما نطالع هذه الصفحة السوداء ، لا نرى فيها سوى الجريمة ورثاء البشرية! فماذا علينا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟ علينا أن ننظم المراثي ، وليس هناك من شي‏ء نقوله سوى نظم المراثي .
علينا أن نقول:
(لا تزال صرخة «العطش» تنطلق من صحراء كربلاء وتصل إلى كوكب العيّوق‏۱، من أفواه اُولئك العطاشى) .۲
ولكن هل يقتصر تاريخ عاشوراء على هذا الوجه فقط؟ هل هو رثاء ومصيبة فقط وليس شيئاً آخر؟!
هذا هو الخطأ ؛ فإنّ لهذا التاريخ وجهاً آخر أيضاً بطله ليس يزيد بن معاوية، ولا ابن زياد، ولا شمراً ، بل بطله الحسين . ولا وجود للجريمة ولا للمأساة في هذا الوجه، بل فيها الملحمة والفخر والنور ، وتجلّي الحقيقة والإنسانية، وتجلّي العبودية للَّه سبحانه . وعندما ننظر إلى هذا الوجه نقول : إنّ من حقّ البشرية أن تفتخر بنفسها ، ولكنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نرى البشريّة تطأطئ رأسها وترى نفسها مصداقاً للآية :
«قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ» !۳

1.العَيّوق : نجم أحمر مضي‏ء في طرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا لا يتقدّمه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۸۰ «عوق») .

2.هذه الجملة تعريبُ بيتٍ بالفارسية من ديوان محتشم الكاشاني ، وأصل البيت هو : زان تشنگان هنوز به عَيّوق مي‏رسد فرياد «اَلعَطَش» ز بيابان كربلا

3.البقرة : ۳۰ .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 22932
صفحه از 1479
پرینت  ارسال به