1039
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

ومَنارِ مَحَجَّتِكُم .
ألا ساءَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسُكُم ، وساءَ ما تَزِرونَ لِيَومِ بَعثِكُم . فَتَعساً تَعساً ! ونُكساً نُكساً ! لَقَد خابَ السَّعيُ ، وتَبَّتِ الأَيدي ، وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، وضُرِبَت عَلَيكُم الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ .
أتَدرونَ وَيلَكُم أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله فَرَثتُم‏۱ ؟ ! وأيَّ عَهدٍ نَكَثتُم ؟ ! وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ ! وأيَّ حُرمَةٍ لَهُ هَتَكتُم ؟ ! وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ ! «لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَ تُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا» .۲!
لَقَد جِئتُم بِها شَوهاءَ صَلعاءَ۳ ، عَنقاءَ۴ ، سَوداءَ ، فَقماءَ۵ ، خَرقاءَ ، طِلاعَ الأَرضِ وَالسَّماءِ . أفَعَجِبتُم أن تَمطُرَ السَّماءُ دَماً ، «وَ لَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَخْزَى‏ وَ هُمْ لَا يُنصَرُونَ»۶ فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ ، فَإِنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لا يُخفِرُهُ البِدارُ ولا يُخشى‏ عَلَيهِ فَوتُ الثّارِ ، كَلّا إنَّ رَبَّكَ لَنا ولَهُم لَبِالمِرصادِ .
ثُمَّ أنشَأَت تَقولُ عليها السلام :


ماذا تَقولونَ إذ قالَ النَّبِيُّ لَكُم‏ماذا صَنَعتُم وأنتُم آخِرُ الاُمَمِ‏
بِأَهلِ بَيتي وأولادي وتَكرِمَتي‏مِنهُم اُسارى‏ ومِنهُم ضُرِّجوا بِدَمِ‏
ماكانَ ذاكَ جَزائي إذ نَصَحتُ لَكُم‏أن تَخلُفوني بِسوءٍ في ذَوي رَحِمي‏
إنِّي لَأَخشى‏ عَلَيكُم أن يَحِلَّ بِكُم‏مِثلُ العَذابِ الَّذي أودى‏ عَلى‏ إرَمِ‏
ثُمَّ وَلَّت عَنهُم .
قالَ حِذيَمٌ : فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى‏ قَد رَدّوا أيدِيَهُم في أفواهِهِم ، فَالتَفَتُّ إلى‏ شَيخٍ إلى‏ جانِبي يَبكي وقَدِ اخضَلَّتِ لِحيَتُهُ بِالبُكاءِ ، ويَدُهُ مَرفوعَةٌ إلَى السَّماءِ ، وهُوَ يَقولُ : بِأَبي واُمّي كُهولُكُم

1.الفرث : تفتيت الكبد بالغمّ والأذى (لسان العرب : ج ۲ ص ۱۷۶ «فرث») .

2.مريم : ۸۹ - ۹۰ .

3.الصلعاء عند العرب: كلّ خطّة مشهورة (تاج العروس : ج ۱۱ ص ۲۷۸ «صلع») .

4.العنقاء : الداهية (العين : ص ۵۸۴ «عنق») .

5.الفقماء : المائلة الحنك ، وقيل : تقدّم الثنايا حتّى لا تقع عليها العليا (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۴۵۷ «فقم») .

6.فصّلت : ۱۶ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
1038

۱۵۰۵.الاحتجاج عن حذيم بن شريك الأسدي : لَمّا أتى‏ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ عليه السلام بِالنِّسوَةِ مِن كَربَلاءَ ، وكانَ مَريضاً ، وإذا نِساءُ أهلِ الكوفَةِ يَنتَدِبنَ مُشَقِّقاتِ الجُيوبِ ، وَالرِّجالُ مَعَهُنَّ يَبكونَ .
فَقالَ زَينُ العابِدينَ عليه السلام - بِصَوتٍ ضَئيلٍ وقَد نَهَكَتهُ العِلَّةُ - : إنَّ هؤُلاءِ يَبكونَ عَلَينا! فَمَن قَتَلَنا غَيرَهم ؟ فَأَومَأَت زَينَبُ بِنتُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام إلَى النّاسِ بِالسُّكوتِ .
قالَ حِذيَمٌ الأَسَدِيُّ : لَم أرَ وَاللَّهِ خَفِرَةً قَطُّ أنطَقَ مِنها ، كَأَنَّها تَنطِقُ وتُفرِغُ عَلى‏ لِسانِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وقَد أشارَت إلَى النّاسِ بِأَن أنصِتوا ، فَارتَدَّتِ الأَنفاسُ وسَكَنَتِ الأَجراسُ‏۱ ، ثُمَّ قالَت - بَعدَ حَمدِ اللَّهِ تَعالى‏ وَالصَّلاةِ عَلى‏ رَسولِهِ صلى اللَّه عليه وآله :
أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَتلِ وَالغَدرِ وَالخَذلِ وَالمَكرِ ، ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ولا هَدَأَتِ الزَّفرَةُ ، إنَّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ «الَّتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَنَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ »۲ ، هَل فيكُم إلَّا الصَّلَفُ وَالعُجبُ ، وَالشَّنَفُ وَالكَذِبُ ، ومَلَقُ‏۳ الإِماءِ ، وغَمزُ الأَعداءِ ، أو كَمَرعى‏ عَلى‏ دِنَةٍ۴ أو كَفِضَّةٍ عَلى‏ مَلحودَةٍ ، ألا بِئسَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسكُم أن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيكُم وفِي العَذابِ أنتمُ خالِدونَ .
أتَبكونَ أخي ؟ ! أجَل وَاللَّهِ فَابكوا فَإِنَّكُم وَاللَّهِ أحرِياءُ۵ بِالبُكاءِ ، فَابكوا كَثيراً وَاضحَكوا قَليلاً ، فَقَد بُليتُم بِعارِها ، ومُنيتُم بِشَنارها ولَن تَرحَضوها۶ أبَداً ، وأنّى‏ تَرحَضونَ قَتلَ سَليلِ خاتَمِ النُّبُوَّةِ ، ومَعدِنِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَلاذِ حَريمِكُم ، ومَعاذِ حِزبِكُم ، ومَقَرِّ سِلمِكُم ، وآسي‏۷كَلِمكُم‏۸ ، ومَفزَعِ نازِلَتِكُم ، وَالمَرجِعِ إلَيهِ عِندَ مُقاتَلَتِكُم ، ومَدَرَةِ۹ حُجَجِكُم ،

1.الجرس : الصوت الخفيّ (الصحاح : ج ۳ ص ۹۱۲ «جرس») .

2.النحل : ۹۲ .

3.الملق : أن يعطي بلسانه ما ليس في قلبه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۳۴۷ «ملق») .

4.الدّمنة : هي ما تُدمّنه الإبل والغنم بأبعارها ... فربما نَبَتَ فيها النبات الحسن النضير (النهاية : ج ۲ ص ۱۳۴ «دمن») .

5.أحرياء : جمع حريّ ؛ وهو الخليق (راجع : لسان العرب : ج ۱۴ ص ۱۷۳ «حري») .

6.ترحضوها : أي تغسلوها (راجع : النهاية : ج ۲ ص ۲۰۸ «رحض») .

7.الآسي : الطبيب (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۶۹) .

8.الكلم : الجراحة (الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۲۳ «كلم») .

9.المدرة: زعيم القوم والمتكلّم عنهم (الصحاح: ج ۶ ص ۲۲۳۱ «دره»).

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 18642
صفحه از 1479
پرینت  ارسال به