الزاخرة بها في تلك الأيّام شاهداً على اتّساع مجالات كتابة الحديث ونشره والدعوة إليه، وعلى جهود المحدّثين في سياق تزايد المعرفة عن طريق الكتابات الحديثية.
وفي تلك المرحلة المشرّفة تألّق ثقة الإسلام الكليني رحمهالله وكتابه الكافي كنجمين ساطعين في سماء حوزة قم الروائية.
حوزة قم الحديثية
وهي الحوزة الثانية بعد حوزة الكوفة الروائية، نشأت بعد مجيء الأشعريين إلى مدينة قم في إمامة الصادقَين عليهماالسلام، وتطوّرت في عهد الإمام الرضا عليهالسلام، ووصلت إلى قمّة ازدهارها بعد أن رقدت في ثراها السيّدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهماالسلام خلال ۲۵۰ ـ ۳۵۰ه.ق.
ولكثير من العلماء والمحدّثين الملتزمين والمثابرين وجود فاعل في هذه المدينة، فاستفادوا من التراث الحديثي للشيعة وبخاصة تراث الكوفة، وعكفوا على نقل الحديث وتدوينه حتى جعلوا مدينة قم مؤّلة لتتوّج بلقب «عشّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله».
المدينة المومأ إليها حاضرة قديمة في وسط الوطن الإسلامي، ملئت في تلك المرحلة بشيعة أهل البيت عليهمالسلام، وحازت سمات لا نظير لها.
وما جعل المعارف الحديثية في حوزة قم أكثر نقاءً واتقاناً هو الأُسلوب المتشدّد لعلماء شيعة المدينة المذكورة في قبول الحديث ونقله، وتجنّب نقل الأحاديث الضعيفة والمغالية، وبخاصّة في أيّام أحمد بن محمّد بن عيسى، فجاءت الأعداد الغفيرة من كتابات هذه المدرسة الحديثية لتصوّر الجهود الجادّة الملتزمة لعلماء تلك المدينة.
ثقة الإسلام الكليني
هو أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، ولد لأُسرة علمية في قرية كُلَين۱ التابعة لمدينة الرَّي في وسط القرن الثالث الهجري وبداية مرحلة الغيبة الصغرى.