الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلى فِرَاشِهِ، حَضَرَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ وَ ثِقَاتِهِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ، وَ مِنَ الْقُضَاةِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ، وَ مِنَ الْمُتَطَبِّبِينَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ، ثُمَّ غَطّى وَجْهَهُ، وَ أَمَرَ بِحَمْلِهِ، فَحُمِلَ مِنْ وَسَطِ دَارِهِ، وَ دُفِنَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ.
فَلَمَّا دُفِنَ أَخَذَ السُّلْطَانُ وَ النَّاسُ فِي طَلَبِ وَلَدِهِ، وَ كَثُرَ التَّفْتِيشُ فِي الْمَنَازِلِ وَ الدُّورِ، وَ تَوَقَّفُوا عَنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ، وَ لَمْ يَزَلِ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِحِفْظِ الْجَارِيَةِ ـ الَّتِي تُوُهِّمَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ ـ لاَزِمِينَ حَتّى تَبَيَّنَ بُطْلاَنُ الْحَمْلِ، فَلَمَّا بَطَلَ الْحَمْلُ عَنْهُنَّ قُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ، وَ ادَّعَتْ أُمُّهُ وَصِيَّتَهُ، وَ ثَبَتَ ذلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَ السُّلْطَانُ عَلى ذلِكَ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِهِ.
فَجَاءَ جَعْفَرٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلى أَبِي، فَقَالَ: اجْعَلْ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي وَ أُوصِلَ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَزَبَرَهُ۱ أَبِي وَ أَسْمَعَهُ۲، وَ قَالَ لَهُ: يَا أَحْمَقُ، السُّلْطَانُ جَرَّدَ
سَيْفَهُ فِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَ أَخَاكَ أَئِمَّةٌ ؛ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذلِكَ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذلِكَ، فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَ أَخِيكَ إِمَاماً، فَلاَ حَاجَةَ بِكَ إِلَى السُّلْطَانِ يُرَتِّبُكَ مَرَاتِبَهُمَا، وَ لاَ غَيْرِ السُّلْطَانِ، وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا.
وَاسْتَقَلَّهُ۳ أَبِي عِنْدَ ذلِكَ، وَ اسْتَضْعَفَهُ، وَ أَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتّى مَاتَ أَبِي وَ خَرَجْنَا وَ هُوَ عَلى تِلْكَ الْحَالِ، وَ السُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهالسلام.
1.. «الزَبْرُ» : المنع والزَجْرُ . يقال : زَبَرَهُ يَزْبُرُهُ زَبْرا ، أي انتهره وأغلظ له في القول والردّ . راجع : الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۶۷ ؛ النهاية ، ج ۲ ، ص ۲۹۳ زبر .
2.. «أسمعه» ، أي شتمه وسَبَّهُ . قال الراغب : «وذلك متعارف في السَبّ» . راجع : المفردات للراغب ، ص ۴۲۵ ؛ لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۱۶۵ سمع .
3.. «استقلّه» ، أي عدّه قليلاً ذليلاً ، سفيه الرأي ، قليل العقل . راجع : الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۸۰۴ قلل .