795
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

فَعَلْتَ مِنَ الاْءِجْلاَلِ وَ الْكَرَامَةِ وَ التَّبْجِيلِ، وَ فَدَيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَ أَبَوَيْكَ ؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، ذَاكَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ، ذَاكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرِّضَا.
فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَوْ زَالَتِ الاْءِمَامَةُ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، مَا اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ هذَا، وَ إِنَّ هذَا لَيَسْتَحِقُّهَا فِي فَضْلِهِ وَ عَفَافِهِ وَ هَدْيِهِ وَ صِيَانَتِهِ وَ زُهْدِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ جَمِيلِ أَخْلاَقِهِ وَ صَلاَحِهِ، وَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ رَأَيْتَ رَجُلاً جَزْلاً۱ نَبِيلاً فَاضِلاً.
فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَ تَفَكُّراً وَ غَيْظاً عَلى أَبِي وَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَ اسْتَزَدْتُهُ۲ فِي فِعْلِهِ وَ قَوْلِهِ فِيهِ مَا قَالَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلاَّ السُّؤالُ عَنْ خَبَرِهِ، وَ الْبَحْثُ عَنْ أَمْرِهِ، فَمَا سَأَلْتُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ وَ الْكُتَّابِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْفُقَهَاءِ وَ سَائِرِ النَّاسِ إِلاَّ وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ الاْءِجْلاَلِ وَ الاْءِعْظَامِ وَ الْمَحَلِّ الرَّفِيعِ وَ الْقَوْلِ الْجَمِيلِ وَ التَّقَدُّمِ لَهُ عَلى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَشَايِخِهِ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي ؛ إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَ لاَ عَدُوّاً إِلاَّ وَ هُوَ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِ وَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ؟ فَقَالَ: وَ مَنْ جَعْفَرٌ فَتَسْأَلَ عَنْ خَبَرِهِ، أَوْ يُقْرَنَ بِالْحَسَنِ ؟ جَعْفَرٌ مُعْلِنُ الْفِسْقِ، فَاجِرٌ، مَاجِنٌ۳، شِرِّيبٌ لِلْخُمُورِ، أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَ أَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِهِ، خَفِيفٌ، قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ، وَ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَ أَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ
مِنْهُ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَلَّ، بَعَثَ إِلى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَّ،

1.. «الجزل» : الكريم المِعْطاءِ والثقيف والعاقل الأصيل الرأي . أو القويّ في الكلام ، المتين الشديد الفصيح. راجع : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۱۰۹ ؛ القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۲۹۲ جزل .

2.. قوله : «واستزدته» عطف على «سمعت» ، أي وما عددته زائدا على ما ينبغي له . قال المجلسي : «وقيل : استزدته ، أي عددته مستقصرا ؛ حيث أقرّ بصحّة مذهب الرافضة ، أخذا من قول صاحب القاموس : استزاده : استقصره وطلب منه الزيادة . وما ذكرناه أظهر» . راجع : الوافي ، ج ۳ ، ص ۸۴۷ ؛ مرآة العقول ، ج ۶ ، ص ۱۴۲ ؛ القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۴۱۸ زيد .

3.. «الماجن» : من لا يبالي قولاً وفعلاً ، كأنّه صلب الوجه . القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۶۲۰ مجن .


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
794

فَعَلَ هذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ، وَ قَبَّلَ وَجْهَهُ وَ صَدْرَهُ، وَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَ أَجْلَسَهُ عَلى مُصَلاَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَ جَلَسَ إِلى جَنْبِهِ مُقْبِلاً عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَ جَعَلَ يُكَلِّمُهُ، وَ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ، وَ أَنَا مُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرى مِنْهُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْحَاجِبُ، فَقَالَ: الْمُوَفَّقُ۱ قَدْ جَاءَ ـ وَ كَانَ الْمُوَفَّقُ إِذَا دَخَلَ عَلى أَبِي تَقَدَّمَ حُجَّابُهُ وَ خَاصَّةُ قُوَّادِهِ ـ فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَ بَيْنَ بَابِ الدَّارِ سِمَاطَيْنِ۲ إِلى أَنْ يَدْخُلَ وَ يَخْرُجَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلاً عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُهُ حَتّى نَظَرَ إِلى غِلْمَانِ الْخَاصَّةِ،
فَقَالَ حِينَئِذٍ: إِذَا شِئْتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ۳، ثُمَّ قَالَ لِحُجَّابِهِ: خُذُوا بِهِ خَلْفَ السِّمَاطَيْنِ حَتّى لاَ يَرَاهُ هذَا ـ يَعْنِي الْمُوَفَّقَ ـ فَقَامَ وَ قَامَ أَبِي، وَ عَانَقَهُ، وَ مَضى.
فَقُلْتُ لِحُجَّابِ أَبِي وَ غِلْمَانِهِ: وَيْلَكُمْ، مَنْ هذَا الَّذِي كَنَّيْتُمُوهُ عَلى أَبِي، وَ فَعَلَ بِهِ أَبِي هذَا الْفِعْلَ ؟ فَقَالُوا: هذَا عَلَوِيٌّ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِابْنِ الرِّضَا، فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً، وَ لَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذلِكَ قَلِقاً۴ مُتَفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَ أَمْرِ أَبِي، وَ مَا رَأَيْتُ فِيهِ حَتّى كَانَ اللَّيْلُ، وَ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ۵، ثُمَّ يَجْلِسَ، فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤامَرَاتِ۶ وَ مَا يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ.
فَلَمَّا صَلّى وَ جَلَسَ، جِئْتُ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، لَكَ حَاجَةٌ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَبَهْ، فَإِنْ أَذِنْتَ لِي سَأَلْتُكَ عَنْهَا، فَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ يَا بُنَيَّ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ، قُلْتُ: يَا أَبَهْ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُكَ بِالْغَدَاةِ فَعَلْتَ بِهِ مَا

1.. في شرح المازندراني ، ج ۷ ، ص ۳۱۲ : «هو موفّق بن المتوكّل أخو المعتمد بن المتوكّل ، وكان أمير عساكره وانتقلت الخلافة بعد المعتمد إلى ابن الموفّق أحمد الملقّب بالمعتضد » .

2.. سِماط القوم: صَفُّهم. ويقال: قام القوم حوله سِماطين، أي صَفّين ، وكلّ صفّ من الرجال سِماط . لسان العرب، ج ۷ ، ص ۳۲۵ سمط .

3.. أي إذا شئت فقم .

4.. «قَلِقا»، أي مضطربا؛ من القَلَق بمعنى الانزعاج والاضطراب. راجع: لسان العرب، ج ۱۰، ص ۳۲۳ ـ ۳۲۴ قلق.

5.. «العَتَمة»: ثلث الليل الأوّلُ بعد غيبوبة الشفق. والمراد هنا صلاة العشاء الآخرة. لسان العرب، ج۱۲، ص۳۸۱ عتم.

6.. «المؤامرات» : المشاورات . قال الجوهري : «الائتمار والاستئمار : المشاورة ، وكذلك التآمر ، على وزن التفاعل» . الصحاح ، ج ۲ ، ص ۵۸۲ أمر .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17028
صفحه از 868
پرینت  ارسال به