فَعَلْتَ مِنَ الاْءِجْلاَلِ وَ الْكَرَامَةِ وَ التَّبْجِيلِ، وَ فَدَيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَ أَبَوَيْكَ ؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، ذَاكَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ، ذَاكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرِّضَا.
فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَوْ زَالَتِ الاْءِمَامَةُ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، مَا اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ هذَا، وَ إِنَّ هذَا لَيَسْتَحِقُّهَا فِي فَضْلِهِ وَ عَفَافِهِ وَ هَدْيِهِ وَ صِيَانَتِهِ وَ زُهْدِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ جَمِيلِ أَخْلاَقِهِ وَ صَلاَحِهِ، وَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ رَأَيْتَ رَجُلاً جَزْلاً۱ نَبِيلاً فَاضِلاً.
فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَ تَفَكُّراً وَ غَيْظاً عَلى أَبِي وَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَ اسْتَزَدْتُهُ۲ فِي فِعْلِهِ وَ قَوْلِهِ فِيهِ مَا قَالَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلاَّ السُّؤالُ عَنْ خَبَرِهِ، وَ الْبَحْثُ عَنْ أَمْرِهِ، فَمَا سَأَلْتُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ وَ الْكُتَّابِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْفُقَهَاءِ وَ سَائِرِ النَّاسِ إِلاَّ وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ الاْءِجْلاَلِ وَ الاْءِعْظَامِ وَ الْمَحَلِّ الرَّفِيعِ وَ الْقَوْلِ الْجَمِيلِ وَ التَّقَدُّمِ لَهُ عَلى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَشَايِخِهِ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي ؛ إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَ لاَ عَدُوّاً إِلاَّ وَ هُوَ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِ وَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ؟ فَقَالَ: وَ مَنْ جَعْفَرٌ فَتَسْأَلَ عَنْ خَبَرِهِ، أَوْ يُقْرَنَ بِالْحَسَنِ ؟ جَعْفَرٌ مُعْلِنُ الْفِسْقِ، فَاجِرٌ، مَاجِنٌ۳، شِرِّيبٌ لِلْخُمُورِ، أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَ أَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِهِ، خَفِيفٌ، قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ، وَ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَ أَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ
مِنْهُ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَلَّ، بَعَثَ إِلى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَّ،
1.. «الجزل» : الكريم المِعْطاءِ والثقيف والعاقل الأصيل الرأي . أو القويّ في الكلام ، المتين الشديد الفصيح. راجع : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۱۰۹ ؛ القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۲۹۲ جزل .
2.. قوله : «واستزدته» عطف على «سمعت» ، أي وما عددته زائدا على ما ينبغي له . قال المجلسي : «وقيل : استزدته ، أي عددته مستقصرا ؛ حيث أقرّ بصحّة مذهب الرافضة ، أخذا من قول صاحب القاموس : استزاده : استقصره وطلب منه الزيادة . وما ذكرناه أظهر» . راجع : الوافي ، ج ۳ ، ص ۸۴۷ ؛ مرآة العقول ، ج ۶ ، ص ۱۴۲ ؛ القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۴۱۸ زيد .
3.. «الماجن» : من لا يبالي قولاً وفعلاً ، كأنّه صلب الوجه . القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۶۲۰ مجن .