فَافْعَلْ، لَعَلَّ اللّهَ يَكُفُّهُ عَنَّا.
قَالَ: «قَدْ أَجْمَعْتُ أَلاَّ أُكَلِّمَهُ، فَلْيَرَ فِيَّ رَأْيَهُ!».
فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليهالسلام: أَنْشُدُكَ اللّهَ هَلْ تَذْكُرُ يَوْماً أَتَيْتُ أَبَاكَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام وَ عَلَيَّ حُلَّتَانِ صَفْرَاوَانِ، فَأَدَامَ النَّظَرَ إِلَيَّ، فَبَكى، فَقُلْتُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ لِي: «يُبْكِينِي أَنَّكَ تُقْتَلُ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّكَ ضَيَاعاً، لاَ يَنْتَطِحُ فِي دَمِكَ عَنْزَانِ۱». قَالَ: فَقُلْتُ: مَتى ذَاكَ ؟ قَالَ: «إِذَا دُعِيتَ إِلَى الْبَاطِلِ فَأَبَيْتَهُ ؛ وَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْأَحْوَلِ مَشُومِ قَوْمِهِ يَنْتَمِي مِنْ آلِ الْحَسَنِ عَلى مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله يَدْعُو إِلى نَفْسِهِ قَدْ تَسَمّى بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَأَحْدِثْ عَهْدَكَ، وَ اكْتُبْ وَصِيَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ فِي يَوْمِكَ أَوْ مِنْ غَدٍ»!؟
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليهالسلام: «نَعَمْ، وَ هذَا ـ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ ـ لاَ يَصُومُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلاَّ أَقَلَّهُ، فَأَسْتَوْدِعُكَ اللّهَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، وَ أَعْظَمَ اللّهُ أَجْرَنَا فِيكَ، وَ أَحْسَنَ الْخِلاَفَةَ عَلى مَنْ خَلَّفْتَ، وَ «إِنَّا لِلّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»۲».
قَالَ: ثُمَّ احْتُمِلَ إِسْمَاعِيلُ، وَ رُدَّ جَعْفَرٌ إِلَى الْحَبْسِ. قَالَ: فَوَ اللّهِ، مَا أَمْسَيْنَا حَتّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَنُو أَخِيهِ: بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَتَوَطَّؤُوهُ۳ حَتّى قَتَلُوهُ، وَ بَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ إِلى جَعْفَرٍ، فَخَلّى سَبِيلَهُ.
قَالَ: وَ أَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى اسْتَهْلَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، فَبَلَغَنَا خُرُوجُ عِيسَى بْنِ مُوسى يُرِيدُ الْمَدِينَةَ.
قَالَ: فَتَقَدَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَلى مُقَدِّمَتِهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
1.. «لا ينتطح في دمك عنزان» ، أي لا يصيب أحدهما الآخر بقرنه ؛ من نَطَحَهُ ، أي أصابه بقرنه . والعَنْزُ : الاُنثى من المَعْز . وهذا مثل يضرب في أمر هيّن لا يكون له تغيير ولا نكير . راجع : النهاية ، ج ۵ ، ص ۷۴ .
2.. البقرة ۲ : ۱۵۶ .
3.. في مرآة العقول، ج۴، ص۱۴۳ : «فتوطّئوه ، على باب التفعيل ، أي داسوه بأرجلهم» . وراجع : القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۲۴ وطأ .