549
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، شِيعَتُكَ وَ شِيعَةُ أَبِيكَ ضُلاَّلٌ، فَأُلْقِي إِلَيْهِمْ وَ أَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ، فَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ الْكِتْمَانَ ؟ قَالَ: «مَنْ آنَسْتَ مِنْهُ رُشْداً فَأَلْقِ إِلَيْهِ، وَ خُذْ عَلَيْهِ الْكِتْمَانَ، فَإِنْ أَذَاعُوا فَهُوَ الذَّبْحُ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْأَحْوَلَ، فَقَالَ لِي: مَا وَرَاءَكَ ؟ قُلْتُ: الْهُدى، فَحَدَّثْتُهُ بِالْقِصَّةِ، قَالَ: ثُمَّ لَقِينَا الْفُضَيْلَ وَ أَبَا بَصِيرٍ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ، وَ سَمِعَا كَلاَمَهُ، وَ سَاءَلاَهُ، وَ قَطَعَا عَلَيْهِ بِالاْءِمَامَةِ.
ثُمَّ لَقِينَا النَّاسَ أَفْوَاجاً، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ إِلاَّ طَائِفَةَ عَمَّارٍ۱ وَ أَصْحَابَهُ، وَبَقِيَ عَبْدُ اللّهِ لاَ يَدْخُلُ إِلَيْهِ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ، قَالَ: مَا حَالَ النَّاسَ ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّ هِشَاماً صَدَّ عَنْكَ النَّاسَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَقْعَدَ لِي بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ لِيَضْرِبُونِي.

۹۲۹.۸. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلاَنٍ الْوَاقِفِيِّ، قَالَ:
كَانَ لِيَ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَ كَانَ زَاهِداً، وَ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَ كَانَ يَتَّقِيهِ السُّلْطَانُ ؛ لِجِدِّهِ فِي الدِّينِ وَ اجْتِهَادِهِ، وَ رُبَّمَا اسْتَقْبَلَ السُّلْطَانَ بِكَلاَمٍ صَعْبٍ يَعِظُهُ، وَ يَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَ يَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ كَانَ السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُهُ ؛ لِصَلاَحِهِ، فَلَمْ تَزَلْ هذِهِ حَالَتَهُ حَتّى كَانَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ
مُوسى عليه‏السلام ـ وَ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ ـ فَرَآهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، مَا أَحَبَّ إِلَيَّ مَا أَنْتَ فِيهِ وَ أَسَرَّنِي، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَكَ مَعْرِفَةٌ، فَاطْلُبِ الْمَعْرِفَةَ».
قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَ مَا الْمَعْرِفَةُ ؟ قَالَ: «اذْهَبْ فَتَفَقَّهْ، وَ اطْلُبِ الْحَدِيثَ». قَالَ: عَمَّنْ ؟ قَالَ: «عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ اعْرِضْ عَلَيَّ الْحَدِيثَ». قَالَ: فَذَهَبَ، فَكَتَبَ، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَأَسْقَطَهُ كُلَّهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَاعْرِفِ الْمَعْرِفَةَ».

1.. في الوافي، ج۲، ص۱۶۹ : «يعني عمّار بن موسى الساباطي».


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
548

فَنَحْنُ كَذلِكَ إِذْ رَأَيْتُ رَجُلاً شَيْخاً لاَ أَعْرِفُهُ، يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ يَنْظُرُونَ إِلى مَنِ اتَّفَقَتْ شِيعَةُ جَعْفَرٍ عليه‏السلام عَلَيْهِ، فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، فَقُلْتُ لِلْأَحْوَلِ: تَنَحَّ ؛ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلى نَفْسِي وَ عَلَيْكَ، وَ إِنَّمَا يُرِيدُنِي لاَ يُرِيدُكَ، فَتَنَحَّ عَنِّي لاَ تَهْلِكْ، وَ تُعِينَ عَلى نَفْسِكَ، فَتَنَحّى غَيْرَ بَعِيدٍ، وَ تَبِعْتُ الشَّيْخَ ـ وَ ذلِكَ
أَنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ ـ فَمَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ، وَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْمَوْتِ حَتّى وَرَدَ بِي عَلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه‏السلام، ثُمَّ خَلاَّنِي وَ مَضى.
فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ، فَقَالَ لِيَ: ادْخُلْ رَحِمَكَ اللّهُ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه‏السلام، فَقَالَ لِيَ ـ ابْتِدَاءً مِنْهُ ـ:«لاَ إِلَى الْمُرْجِئَةِ، وَ لاَ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَ لاَ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ، وَ لاَ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَ لاَ إِلَى الْخَوَارِجِ، إِلَيَّ إِلَيَّ».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَضى أَبُوكَ ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: مَضى مَوْتاً ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ فَقَالَ: «إِنْ شَاءَ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ، هَدَاكَ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ عَبْدَ اللّهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ؟ قَالَ: «يُرِيدُ عَبْدُ اللّهِ أَنْ لاَ يُعْبَدَ اللّهُ». قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ قَالَ: «إِنْ شَاءَ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ، هَدَاكَ». قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ هُوَ ؟ قَالَ: «لاَ، مَا أَقُولُ ذلِكَ». قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ أُصِبْ طَرِيقَ الْمَسْأَلَةِ.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، عَلَيْكَ إِمَامٌ ؟ قَالَ: «لاَ». فَدَاخَلَنِي شَيْءٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللّهُ ـ عَزَّ وَ جَلَّ ـ إِعْظَاماً لَهُ وَ هَيْبَةً أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحُلُّ بِي مِنْ أَبِيهِ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَسْأَلُكَ كَمَا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ؟ فَقَالَ: «سَلْ تُخْبَرْ، وَ لاَ تُذِعْ، فَإِنْ أَذَعْتَ فَهُوَ الذَّبْحُ» قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَإِذَا هُوَ بَحْرٌ لاَ يُنْزَفُ۱.

1.. قوله : «لا يُنْزَفُ» ، أي لا يذهب ماؤه ولا يفنى . راجع : لسان العرب ، ج ۹ ، ص ۳۲۵ نزف .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17128
صفحه از 868
پرینت  ارسال به