فَلَمَّا أَتى خِدَاشٌ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ، صَنَعَ مَا أَمَرَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عليهالسلام ـ وَ هُوَ يُنَاجِي نَفْسَهُ ـ ضَحِكَ وَ قَالَ: «هَاهُنَا يَا أَخَا عَبْدِ قَيْسٍ» وَأَشَارَ لَهُ إِلى مَجْلِسٍ قَرِيبٍ مِنْهُ؛ فَقَالَ: مَا أَوْسَعَ الْمَكَانَ! أُرِيدُ أَنْ أُؤدِّيَ إِلَيْكَ رِسَالَةً، قَالَ: «بَلْ تَطْعَمُ وَ تَشْرَبُ وَ تَحُلُّ ثِيَابَكَ وَ تَدَّهِنُ، ثُمَّ تُؤدِّي رِسَالَتَكَ، قُمْ يَا قَنْبَرُ، فَأَنْزِلْهُ».
قَالَ: مَا بِي إِلى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ حَاجَةٌ، قَالَ: «فَأَخْلُو بِكَ؟» قَالَ: كُلُّ سِرٍّ لِي عَلاَنِيَةٌ، قَالَ: «فَأَنْشُدُكَ بِاللّهِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، الْحَائِلِ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ قَلْبِكَ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ، أَ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ۱ الزُّبَيْرُ بِمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ؟» قَالَ: اللّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: «لَوْ كَتَمْتَ بَعْدَ مَا سَأَلْتُكَ، مَا ارْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ۲ ؛ فَأَنْشُدُكَ اللّهَ، هَلْ عَلَّمَكَ كَلاَماً تَقُولُهُ إِذَا أَتَيْتَنِي ؟» قَالَ: اللّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ عَلِيٌّ عليهالسلام: «آيَةَ السُّخْرَةِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاقْرَأْهَا»، فَقَرَأَهَا، وَ جَعَلَ عَلِيٌّ عليهالسلام يُكَرِّرُهَا۳، وَ يُرَدِّدُهَا، وَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إِذَا أَخْطَأَ، حَتّى إِذَا قَرَأَهَا سَبْعِينَ مَرَّةً، قَالَ الرَّجُلُ: مَا يَرى أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليهالسلام أَمْرَهُ بِتَرَدُّدِهَا سَبْعِينَ مَرَّةً ؟ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أَ تَجِدُ قَلْبَكَ اطْمَأَنَّ ؟» قَالَ: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
قَالَ: «فَمَا قَالاَ لَكَ ؟» فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «قُلْ لَهُمَا: كَفى بِمَنْطِقِكُمَا حُجَّةً عَلَيْكُمَا، وَلكِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ، وَابْنَا عَمِّي فِي النَّسَبِ؛ فَأَمَّا النَّسَبُ فَلاَ أُنْكِرُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ مَقْطُوعاً إِلاَّ مَا وَصَلَهُ اللّهُ بِالاْءِسْلاَمِ.
وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا: إِنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ، فَقَدْ فَارَقْتُمَا كِتَابَ اللّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ عَصَيْتُمَا أَمْرَهُ بِأَفْعَالِكُمَا فِي أَخِيكُمَا فِي الدِّينِ، وَ إِلاَّ فَقَدْ كَذَبْتُمَا وَ افْتَرَيْتُمَا بِادِّعَائِكُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ.
1.. قوله : «تقدّم إليك» ، أي أوصى وأمر . يقال : تقدّم إليه في كذا ، أي أمره وأوصاه به . راجع: القاموس المحيط، ج۲، ص۱۵۱۱ قدم.
2.. المراد بارتداد الطَرْف إغضاؤه ، وعدم ارتداده كناية عن الموت الدفعي ؛ فإنّ الميّت تبقى عينه مفتوحة . راجع : المفردات للراغب ، ص ۵۱۷ طرف .
3.. قوله : «يكرّرها» ، أي يأمره بتكريرها وترديدها ويبيّن غلطه إذا أخطأ . شرح المازندراني، ج۶، ص۲۵۷.