535
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

فَلَمَّا أَتى خِدَاشٌ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه‏ِ عَلَيْهِ، صَنَعَ مَا أَمَرَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عليه‏السلام ـ وَ هُوَ يُنَاجِي نَفْسَهُ ـ ضَحِكَ وَ قَالَ: «هَاهُنَا يَا أَخَا عَبْدِ قَيْسٍ» وَأَشَارَ لَهُ إِلى مَجْلِسٍ قَرِيبٍ مِنْهُ؛ فَقَالَ: مَا أَوْسَعَ الْمَكَانَ! أُرِيدُ أَنْ أُؤدِّيَ إِلَيْكَ رِسَالَةً، قَالَ: «بَلْ تَطْعَمُ وَ تَشْرَبُ وَ تَحُلُّ ثِيَابَكَ وَ تَدَّهِنُ، ثُمَّ تُؤدِّي رِسَالَتَكَ، قُمْ يَا قَنْبَرُ، فَأَنْزِلْهُ».
قَالَ: مَا بِي إِلى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ حَاجَةٌ، قَالَ: «فَأَخْلُو بِكَ؟» قَالَ: كُلُّ سِرٍّ لِي عَلاَنِيَةٌ، قَالَ: «فَأَنْشُدُكَ بِاللّهِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، الْحَائِلِ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ قَلْبِكَ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ، أَ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ۱ الزُّبَيْرُ بِمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ؟» قَالَ: اللّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: «لَوْ كَتَمْتَ بَعْدَ مَا سَأَلْتُكَ، مَا ارْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ۲ ؛ فَأَنْشُدُكَ اللّهَ، هَلْ عَلَّمَكَ كَلاَماً تَقُولُهُ إِذَا أَتَيْتَنِي ؟» قَالَ: اللّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ عَلِيٌّ عليه‏السلام: «آيَةَ السُّخْرَةِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاقْرَأْهَا»، فَقَرَأَهَا، وَ جَعَلَ عَلِيٌّ عليه‏السلام يُكَرِّرُهَا۳، وَ يُرَدِّدُهَا، وَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إِذَا أَخْطَأَ، حَتّى إِذَا قَرَأَهَا سَبْعِينَ مَرَّةً، قَالَ الرَّجُلُ: مَا يَرى أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام أَمْرَهُ بِتَرَدُّدِهَا سَبْعِينَ مَرَّةً ؟ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أَ تَجِدُ قَلْبَكَ اطْمَأَنَّ ؟» قَالَ: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
قَالَ: «فَمَا قَالاَ لَكَ ؟» فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «قُلْ لَهُمَا: كَفى بِمَنْطِقِكُمَا حُجَّةً عَلَيْكُمَا، وَلكِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ، وَابْنَا عَمِّي فِي النَّسَبِ؛ فَأَمَّا النَّسَبُ فَلاَ أُنْكِرُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ مَقْطُوعاً إِلاَّ مَا وَصَلَهُ اللّهُ بِالاْءِسْلاَمِ.
وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا: إِنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ، فَقَدْ فَارَقْتُمَا كِتَابَ اللّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ عَصَيْتُمَا أَمْرَهُ بِأَفْعَالِكُمَا فِي أَخِيكُمَا فِي الدِّينِ، وَ إِلاَّ فَقَدْ كَذَبْتُمَا وَ افْتَرَيْتُمَا بِادِّعَائِكُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ.

1.. قوله : «تقدّم إليك» ، أي أوصى وأمر . يقال : تقدّم إليه في كذا ، أي أمره وأوصاه به . راجع: القاموس المحيط، ج۲، ص۱۵۱۱ قدم.

2.. المراد بارتداد الطَرْف إغضاؤه ، وعدم ارتداده كناية عن الموت الدفعي ؛ فإنّ الميّت تبقى عينه مفتوحة . راجع : المفردات للراغب ، ص ۵۱۷ طرف .

3.. قوله : «يكرّرها» ، أي يأمره بتكريرها وترديدها ويبيّن غلطه إذا أخطأ . شرح المازندراني، ج۶، ص۲۵۷.


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
534

لَهُ: خِدَاشٌ ـ إِلى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه‏ِ عَلَيْهِ، وَ قَالاَ لَهُ: إِنَّا نَبْعَثُكَ إِلى رَجُلٍ طَالَ مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ بِالسِّحْرِ وَ الْكِهَانَةِ، وَ أَنْتَ أَوْثَقُ مَنْ بِحَضْرَتِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مِنْ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذلِكَ، وَ أَنْ تُحَاجَّهُ لَنَا حَتّى تَقِفَهُ عَلى أَمْرٍ مَعْلُومٍ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ دَعْوًى، فَلاَ يَكْسِرَنَّكَ ذلِكَ عَنْهُ ؛ وَ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِي يَخْدَعُ النَّاسَ بِهَا الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ وَ الْعَسَلُ وَ الدُّهْنُ، وَ أَنْ يُخَالِيَ الرَّجُلَ۱ ؛ فَلاَ تَأْكُلْ لَهُ طَعَاماً، وَ لاَ تَشْرَبْ لَهُ شَرَاباً، وَ لاَ تَمَسَّ لَهُ عَسَلاً وَ لاَ دُهْناً، وَ لاَ تَخْلُ مَعَهُ، وَ احْذَرْ هذَا كُلَّهُ مِنْهُ، وَ انْطَلِقْ عَلى بَرَكَةِ اللّهِ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَاقْرَأْ آيَةَ السُّخْرَةِ۲، وَ تَعَوَّذْ بِاللّهِ مِنْ كَيْدِهِ وَ كَيْدِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ فَلاَ تُمَكِّنْهُ مِنْ بَصَرِكَ كُلِّهِ، وَ لاَ تَسْتَأْنِسْ بِهِ.
ثُمَّ قُلْ لَهُ: إِنَّ أَخَوَيْكَ فِي الدِّينِ، وَ ابْنَيْ عَمِّكَ فِي الْقَرَابَةِ يُنَاشِدَانِكَ الْقَطِيعَةَ۳، وَ يَقُولاَنِ لَكَ: أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّا تَرَكْنَا النَّاسَ لَكَ، وَ خَالَفْنَا عَشَائِرَنَا فِيكَ مُنْذُ قَبَضَ اللّهُ ـ عَزَّ وَ جَلَّ ـ مُحَمَّداً صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فَلَمَّا نِلْتَ أَدْنى مَنَالٍ۴، ضَيَّعْتَ حُرْمَتَنَا، وَ قَطَعْتَ
رَجَاءَنَا، ثُمَّ قَدْ رَأَيْتَ أَفْعَالَنَا فِيكَ، وَ قُدْرَتَنَا عَلَى النَّأْيِ عَنْكَ، وَ سَعَةِ الْبِلاَدِ دُونَكَ، وَ أَنَّ مَنْ كَانَ يَصْرِفُكَ عَنَّا وَ عَنْ صِلَتِنَا، كَانَ أَقَلَّ لَكَ نَفْعاً، وَ أَضْعَفَ عَنْكَ دَفْعاً مِنَّا، وَ قَدْ وَضَحَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ، وَ قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ انْتِهَاكٌ لَنَا، وَ دُعَاءٌ عَلَيْنَا، فَمَا الَّذِي يَحْمِلُكَ عَلى ذلِكَ ؟ فَقَدْ كُنَّا نَرى أَنَّكَ أَشْجَعُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ، أَ تَتَّخِذُ اللَّعْنَ لَنَا دِيناً، وَ تَرى أَنَّ ذلِكَ يَكْسِرُنَا عَنْكَ ؟

1.. في الشروح : «يخالي الرجل» ، أي يخلو به ، أي يسأله الاجتماع معه في خلوة .

2.. «آية السُّخْرَة» هي الآية ۵۴ من سورة الأعراف ۷ . وقال الشيخ البهائي : هي الآية ۵۴ ـ ۵۶ منها ، فإطلاق الآية عليها على إرادة الجنس ؛ من قرأها حفظ من شياطين الجنّ والإنس . راجع : مفتاح الفلاح ، ص ۵۶ .

3.. «يناشدانك القطيعةَ» ، أي يسألانك بقطيعة الرحم ويقسمان عليك بعظم أمرها ويطلبان إليك بحقّها . أو يناشدانك باللّه‏ فيها ، أي أن لا تقطع رحمهما . راجع : النهاية ، ج ۵ ، ص ۵۳ نشد .

4.. «المَنال» : محلّ النَوْل ، وهو العطيّة والخراج . وقد يطلق عليه مجازا ، أي أدركت أدنى مرتبة تنال به المطالب . راجع : الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۸۳۶ نول .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17180
صفحه از 868
پرینت  ارسال به