47
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ لاَ يَكْذِبُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ.
يَا هِشَامُ، لاَ دِينَ لِمَنْ لا مُرُوءَةَ۱ لَهُ، وَلاَ مُرُوءَةَ لِمَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ۲، وَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ قَدْراً الَّذِي لاَ يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَراً ۳، أَمَا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ، فَلاَ تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا.
يَا هِشَامُ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام كَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَلاَمَةِ الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَلاَثُ خِصَالٍ: يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ، وَيَنْطِقُ إِذَا عَجَزَ الْقَوْمُ عَنِ الْكَلاَمِ، وَيُشِيرُ بِالرَّأْيِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ صَلاَحُ أَهْلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ الثَّلاَثِ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ أَحْمَقُ ؛ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام قَالَ: لاَ يَجْلِسُ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ إِلاَّ رَجُلٌ فِيهِ هذِهِ الْخِصَالُ الثَّلاَثُ، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ فَجَلَسَ، فَهُوَ أَحْمَقُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام: إِذَا طَلَبْتُمُ الْحَوَائِجَ، فَاطْلُبُوهَا مِنْ أَهْلِهَا، قِيلَ: ۱ / ۲۰
يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه‏ِ، وَمَنْ أَهْلُهَا؟ قَالَ: الَّذِينَ قَصَّ اللّه‏ُ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ»۴ قَالَ: هُمْ أُولُو الْعُقُولِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام: مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ دَاعِيَةٌ إِلَى الصَّلاحِ، وَإِدْآبُ الْعُلَمَاءِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَطَاعَةُ وُلاَةِ الْعَدْلِ تَمَامُ الْعِزِّ، وَاسْتِثْمَارُ۵ الْمَالِ تَمَامُ الْمُرُوءَةِ، وَإِرْشَادُ

1.. الزمر ۳۹ : ۹ .

2.. المروءة والمروّة : الإنسانية وكمال الرجولية. وقال العلاّمة المجلسي : «وهي الصفة الجامعة لمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب». راجع : مرآة العقول ، ج ۱ ، ص ۶۳ ؛ الصحاح ، ج ۱ ، ص۷۲ ؛ المغرب ، ص ۴۲۶ مرأ.

3.. وذلك لأنّ من لا عقل له لا يكون عارفا بما يليق به ويحسن ، وما لا يليق به ولا يحسن ؛ فقد يترك اللائق ويجيء بما لا يليق ، ومن يكون كذلك لا يكون ذا دين. حاشية ميرزا رفيعا ، ص ۵۷.

4.. «الخطر» بمعنى الحظّ والنصيب ، والقدر والمنزلة ، والسَبَق الذي يتراهن عليه ، والكلّ محتمل . مرآة العقول ، ج۱ ، ص۶۳ ، الصحاح ، ج۲ ، ص۶۴۸ خطر .

5.. قال المجلسي : «واستثمار المال ، أي استنماؤه بالتجارة والمكاسب دليل تمام الإنسانيّة وموجب له أيضا ؛ لأنّه لا يحتاج إلى غيره ، ويتمكّن من أن يأتي بما يليق به» . وبعبارة أخرى قوله عليه‏السلام : «واستثمار المال ...» لأنّ التجارة تتولّد منها حركة في المجتمع ، وتنشأ منها منفعة للجميع ، وبذلك يربو ماله في التجارة ، وليست المروءة إلاّ الإنسانية ، وهي حبّ الخير للغير والنظر في المصلحة العامّة» . اُنظر : مرآة العقول ، ج۱ ، ص۶۴ ؛ الشافي للمظفّر ، ج۱ ، ص۱۲۲ .


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
46

مِنْهَا رِزْقَهُ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا، طَلَبَتْهُ الاْخِرَةُ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.
يَا هِشَامُ، مَنْ أَرَادَ الْغِنى بِلاَ مَالٍ، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحَسَدِ، وَالسَّلامَةَ فِي الدِّينِ، فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اللّه‏ِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكَمِّلَ عَقْلَهُ ؛ فَمَنْ عَقَلَ، قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ، وَمَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ، اسْتَغْنَى، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ، لَمْ يُدْرِكِ الْغِنى أَبَداً.
يَا هِشَامُ، إِنَّ اللّه‏َ حَكى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: «رَبَّنا لاَ تُزِغْ۱ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ»۲ حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَتَعُودُ إِلى عَمَاهَا وَرَدَاهَا۳ ؛ إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللّه‏َ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه‏ِ، وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه‏ِ، لَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَيَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ كَذلِكَ إِلاَّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً، وَسِرُّهُ لِعَلاَنِيَتِهِ مُوَافِقاً ؛ لِأَنَّ اللّه‏َ ـ تَبَارَكَ اسْمُهُ ـ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلاَّ بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَنَاطِقٍ عَنْهُ.
يَا هِشَامُ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام يَقُولُ: مَا عُبِدَ اللّه‏ُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ، وَمَا تَمَّ عَقْلُ امْرِىًٔحَتّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتّى: الْكُفْرُ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ، وَالرُّشْدُ وَالْخَيْرُ ۱ / ۱۹
مِنْهُ مَأْمُولاَنِ، وَفَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ، وَفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ، وَنَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الْقُوتُ، لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ، الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللّه‏ِ مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ، وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ، يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ، وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ.۴

1.. الزَيْغ : هو الميل عن الاستقامة والعدول عن الحقّ. راجع : الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۲۰ ؛ المفردات للراغب ، ص ۳۸۷ زيغ.

2.. آل عمران ۳ : ۸ .

3.. الردى : الهلاك والضلال. راجع : الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۵۵ ردى.

4.. أي جميع اُمور الدين تتمّ بذلك ، اُو كأنّه جميع اُمور الدين مبالغة . كما في مرآة العقول ، ج۱ ، ص۶۳. وقال في الوافي ، ج۱ ، ص۱۰۳ : «وهو تمام الأمر ، أي رؤية الناس خيرا ونفسه شرّا تمام الأمر ؛ لأنّها موجبة للاستكانة والتضرّع التامّ إلى اللّه‏ والخروج إليه بالفناء عن هذا الوجود المجازي الذي كلّه ذنب وشرّ... ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الكون الذي في قوله «حتى يكون» فكان المعنى أنّ ملاك الأمر وتمامه في أن يكون الإنسان كاملاً تامّ العقل ، هو كونه متّصفا بجميع هذه الخصال المذكورة».

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17044
صفحه از 868
پرینت  ارسال به