45
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا، وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللّه‏ِ، وَكَانَ اللّه‏ُ أُنْسَهُ فِي الْوَحْشَةِ، وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ، وَغِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ۱، وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ.
يَا هِشَامُ، نُصِبُ الْحَقُّ لِطَاعَةِ اللّه‏ِ، وَلاَ نَجَاةَ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ، وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالتَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ۲، وَلاَ عِلْمَ إِلاَّ مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ، وَمَعْرِفَةُ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ.
يَا هِشَامُ، قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَالِمِ مَقْبُولٌ مُضَاعَفٌ، وَكَثِيرُ الْعَمَلِ مِنْ أَهْلِ الْهَوى وَالْجَهْلِ مَرْدُودٌ.
يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا ؛ فَلِذلِكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ.
۱ / ۱۸
يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعُقَلاَءَ تَرَكُوا فُضُولَ الدُّنْيَا، فَكَيْفَ الذُّنُوبَ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا مِنَ الْفَضْلِ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ مِنَ الْفَرْضِ.
يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا وَ إِلى أَهْلِهَا، فَعَلِمَ أَنَّهَا لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِالْمَشَقَّةِ، وَنَظَرَ إِلَى الاْخِرَةِ، فَعَلِمَ أَنَّهَا لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِالْمَشَقَّةِ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا.
يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعُقَلاَءَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي الاْخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ، وَ الاْخِرَةَ طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ، فَمَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ، طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتّى يَسْتَوْفِيَ

1.. «العَيْلة» : الحاجة والفافة ، يقال : عالَ الرجل يَعيلُ عيلةً : إذا احتاج وافتقر . راجع : الصحاح ، ج۵ ، ص۱۷۷۹ ؛ لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۴۸۸ عيل .

2.. قال المازندراني : «يعتقد : من اعتقاد الشيء إذا اشتدّ وصلب ، أو من عقدت الحبل فانعقد ، والزيادة للمبالغة» وزاد المجلسي : «أو من الاعتقاد بمعنى التصديق والإذعان» كما ذكره وحده الفيض . وقال السيّد بدر الدين في حاشيته على الكافي، ص ۳۹ : «في بعض النسخ «يعتقل» من الاعتقال ، وهو الحبس. والمعنى أنّ التعلّم ـ أي المتعلَّم وهو المعلوم ـ إنّما يعتقل ، أي يحبس ويحفظ ، أو يعتقد ويستيقن بالعقل». راجع : شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۲۰۳ ؛ الوافي ، ج۱ ، ص۱۰۰ ؛ مرآة العقول ، ج۱ ، ص۵۸ ؛ الصحاح ، ج۲ ، ص۵۱۰ ؛ لسان العرب ، ج۳ ، ص۲۹۸ عقد .


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
44

شَيْءٍ مَطِيَّةً۱، وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ ؛ وَكَفى بِكَ جَهْلاً أَنْ تَرْكَبَ مَا نُهِيتَ عَنْهُ.
يَا هِشَامُ، مَا بَعَثَ اللّه‏ُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلى عِبَادِهِ إِلاَّ لِيَعْقِلُوا عَنِ اللّه‏ِ، فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّه‏ِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلاً، وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلاً أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ.
يَا هِشَامُ، إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً، وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ.
يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ، الَّذِي لاَ يَشْغَلُ الْحَلالُ شُكْرَهُ، وَلاَ يَغْلِبُ الْحَرَامُ صَبْرَهُ.
۱ / ۱۷
يَا هِشَامُ، مَنْ سَلَّطَ ثَلاَثاً عَلَى ثَلاَثٍ، فَكَأنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ: مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ، وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلاَمِهِ۲، وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلى هَدْمِ عَقْلِهِ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ، أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ.
يَا هِشَامُ، كَيْفَ يَزْكُو۳ عِنْدَ اللّه‏ِ عَمَلُكَ، وَأَنْتَ قَدْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكَ، وَأَطَعْتَ هَوَاكَ عَلى غَلَبَةِ عَقْلِكَ؟!
يَا هِشَامُ، الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلاَمَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللّه‏ِ۴، اعْتَزَلَ

1.. «المَطِيَّة» : الناقة التي يُركَب مَطاها ، أي ظهرها ـ كما اختاره الصدر الشيرازي ـ ، أو الدابّة التي تمطو في سيرها أي تجدّ وتسرع ، كما اختاره أيضا المازندراني . راجع : شرح صدر المتألّهين ، ج۱ ، ص۳۶۱ ؛ شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۱۸۵ ؛ النهاية ، ج۴ ، ص۳۴۰ ؛ لسان العرب ، ج۱۵ ، ص۲۸۵ مطا .

2.. في مرآة العقول ، ج۱ ، ص۵۷: «والسبب في ذلك أنّ بطول الأمل يقبل إلى الدنيا ولذّاتها ، فيشغل عن التفكّر ، أو يجعل مقتضى طول الأمل ماحيا بمقتضى فكره الصائب. والطريف : الأمر الجديد المستغرب الذي فيه نفاسة. ومحو الطرائف بالفضول إمّا لأنّه إذا اشتغل بالفضول شغل عن الحكمة في زمان التكلّم بالفضول ، أو لأنّه لمّا سمعوا الناس منه الفضول لم يعبأوا بحكمته ، أو لأنّه إذا اشتغل به محى اللّه‏ عن قلبه الحكمة». وراجع : ترتيب كتاب العين ، ج۲ ، ص۱۰۷۵ ؛ الصحاح ، ج۴ ، ص۱۳۹۴ طرف.

3.. قال المجلسي : «الزكاة تكون بمعنى النموّ والطهارة ، وهنا يحتملهما» . وعليه بقيّة الشروح . راجع : النهاية ، ج۲ ، ص ۳۰۷ ؛ لسان العرب ، ج۱۴ ، ص۳۵۸ زكا ؛ مرآة العقول ، ج۱ ، ص۵۷ .

4.. قوله عليه‏السلام : «عقل عن اللّه‏» فقد مضى معناه قريبا ، ولكنّ المجلسي قال هنا ـ مضافا إلى ما ذكر ـ : «قوله عليه‏السلام : «عقل عن اللّه‏» أي حصل له معرفة ذاته وصفاته وأحكامه وشرايعه ، أو أعطاه العقل ، أو علم الأمور بعلم ينتهى إلى اللّه‏ بأن أخذه عن أنبيائه وحججه عليهم‏السلام إمّا بلا واسطة ، أو بواسطة ، أو بلغ عقله إلى درجة يفيض اللّه‏ علومه عليه بغير تعليم بشر» . مرآة العقول ج۱ ، ص۵۸ .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 17066
صفحه از 868
پرینت  ارسال به