الْعِلْمُ بِالدِّينِ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللّهُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً، وَالتَّكْلِيفُ لاَزِما، وَالْعُمْرُ يَسِيرا، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ.
وَالشَّرْطُ مِنَ اللّهِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُودا عِنْدَ رَبِّهِ، مُسْتَوْجِبا لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ ۱ / ۷
لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لاَيَدْرِي مَا يُؤدِّي، وَلاَيَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي، وَإذا كانَ جَاهِلاً، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى، وَلاَ مُصَدِّقا ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لاَ يَكُونُ مُصَدِّقا حَتّى يَكُونَ عَارِفا بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلاَ شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لاَ يَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّقَرُّبِ مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ الْمُسْتَيْقِنِ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ»۱ فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ، وَلَوْ لاَ الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً.
وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ ـ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ ـ إِلَى اللّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ عَلَيْهِ، فَقَبِلَ عَمَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ؛ كَيْ لاَ يَكُونَ مِمَّنْ وَصَفَهُ اللّهُ، فَقَالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ۲ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»۳ ؛ لِأَنَّهُ كانَ دَاخِلاً فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ يَقِينٍ، فَلِذلِكَ صَارَ خُرُوجُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ يَقِينٍ.
وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليهالسلام: «مَنْ دَخَلَ فِي الاْءِيمَانِ بِعِلْمٍ، ثَبَتَ فِيهِ، وَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ، وَمَن دَخَلَ فِيهِ بِغَيرِ عِلْمٍ، خَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ».