29
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

وَقَالَ عليه‏السلام: «مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللّه‏ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَوَات اللّه‏ِ عَلَيْه وَآلِهِ ـ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، رَدَّتْهُ الرِّجَالُ».

وَقَالَ عليه‏السلام: «مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنَا مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ يَتَنَكَّبِ۱ الْفِتَنَ».

وَلِهذِهِ الْعِلَّةِ انْبَثَقَتْ۲ عَلى أَهْلِ دَهْرِنَا بُثُوقُ هذِهِ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ، وَالْمَذَاهِبِ المُسْتَشْنَعَةِ۳، الَّتِي قَدِ اسْتَوْفَتْ شَرَائِطَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُلَّهَا، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللّه‏ِ تَعالى ۱ / ۸

وَخِذْلاَنِهِ، فَمَنْ أَرَادَ اللّه‏ُ تَوْفِيقَهُ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ ثَابِتا مُسْتَقِرّا، سَبَّبَ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إِلى أَنْ يَأَخُذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللّه‏ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَوَاتُ اللّه‏ِ عَلَيهِ وَآلِهِ ـ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ، فَذَاكَ أَثْبَتُ فِي دِينِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي. وَمَنْ أَرَادَ اللّه‏ُ خِذْلاَنَهُ وَأَنْ يَكُونَ دِينُهُ مُعَارا مُسْتَوْدَعا ـ نَعُوذُ بِاللّه‏ِ مِنْهُ ـ سَبَّبَ لَهُ أَسْبَابَ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، فَذَاكَ فِي الْمَشِيئَةِ، إِنْ شَاءَ اللّه‏ُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَتَمَّ إِيمَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ، سَلَبَهُ إِيَّاهُ، وَلاَ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ مُؤْمِنا وَيُمْسِيَ كَافِرا، أَو يُمْسِيَ مُؤْمِنا وَيُصْبِحَ كَافِرا ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَأى كَبِيرا مِن الْكُبَرَاءِ، مَالَ مَعَهُ، وَكُلَّمَا رَأى شَيْئا اسْتَحْسَنَ ظَاهِرَهُ، قَبِلَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «إِنَّ اللّه‏َ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَ النَّبِيِّينَ عَلَى النَّبُوَّةِ، فَلاَ يَكُونُونَ إِلاَّ أَنْبِيَاءَ، وَخَلَقَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَلاَ يَكُونُونَ إِلاَّ أَوْصِيَاءَ، وَأَعَارَ قَوْمَا إِيمَانَا، فَإِنْ شَاءَ تَمَّمَهُ لَهُمْ، وإِنْ شَاءَ سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ»، قالَ: «وَفِيهِمْ جَرى قَوْلُهُ تَعَالى: «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»۴».

وَذَكَرْتَ أَنَّ أُمُورا قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَيْكَ، لاَتَعْرِفُ حَقَائِقَهَا ؛ لاِخْتِلاَفِ الرِّوَايَةِ فِيهَا،

1.. التنكّب عن الشيء هو المَيْل والعدول عنه ؛ يعني لا يقدر على العدول عنها ، ولا يأمن من الوقوع فيها . الصحاح ، ج۱ ، ص۲۲۸ ، النهاية ، ج۵ ، ص۱۱۲ نكب .

2.. «انبثقت» أي هجمت ، يقال : انبثق الأمر على الناس ، أي هجم عليهم من غير أن يشعروا . راجع : لسان العرب ، ج۱۰ ، ص۱۳ بثق .

3.. «المستشنع» : الفظيع القبيح . راجع : لسان العرب ، ج۸ ، ص۱۸۶ شنع .

4.. الأنعام ۶ : ۹۸ .


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
28

الْعِلْمُ بِالدِّينِ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللّه‏ُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً، وَالتَّكْلِيفُ لاَزِما، وَالْعُمْرُ يَسِيرا، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ.

وَالشَّرْطُ مِنَ اللّه‏ِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُودا عِنْدَ رَبِّهِ، مُسْتَوْجِبا لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ ۱ / ۷

لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لاَيَدْرِي مَا يُؤدِّي، وَلاَيَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي، وَإذا كانَ جَاهِلاً، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى، وَلاَ مُصَدِّقا ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لاَ يَكُونُ مُصَدِّقا حَتّى يَكُونَ عَارِفا بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلاَ شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لاَ يَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّقَرُّبِ مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ الْمُسْتَيْقِنِ، وَقَدْ قَالَ اللّه‏ُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ»۱ فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ، وَلَوْ لاَ الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً.

وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ ـ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ ـ إِلَى اللّه‏ِ جَلَّ ذِكْرُهُ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ عَلَيْهِ، فَقَبِلَ عَمَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللّه‏ِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ؛ كَيْ لاَ يَكُونَ مِمَّنْ وَصَفَهُ اللّه‏ُ، فَقَالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ۲ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»۳ ؛ لِأَنَّهُ كانَ دَاخِلاً فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ يَقِينٍ، فَلِذلِكَ صَارَ خُرُوجُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ يَقِينٍ.

وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «مَنْ دَخَلَ فِي الاْءِيمَانِ بِعِلْمٍ، ثَبَتَ فِيهِ، وَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ، وَمَن دَخَلَ فِيهِ بِغَيرِ عِلْمٍ، خَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ».

1.. الزخرف ۴۳ : ۸۶ .

2.. قال البيضاوي : «عَلى حَرْفٍ : على طرف من الدين لا ثبات له فيه ، كالذي يكون على طرف الجيش ، فإن أحسّ بظفر قَرَّ ، وإلاّ فَرَّ». راجع : تفسير البيضاوي ، ج۳ ، ص ۱۳۵ .

3.. الحجّ ۲۲ : ۱۱ .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16762
صفحه از 868
پرینت  ارسال به