27
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ. فَلَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلاَمَةِ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ، وَفِي جَوازِ ذلِكَ بُطْلاَنُ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالاْدَابِ، وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ ۱ / ۶

وَالاْدَابِ فَسَادُ التَّدْبِيرِ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ ؛ فَوَجَبَ في عَدْلِ اللّه‏ِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَحِكْمَتِهِ أَن يَخُصَّ مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ خِلْقَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِئَلاَّ يَكُونُوا سَدًى مُهْمَلِينَ ؛ وَلِيُعَظِّمُوهُ، وَيُوَحِّدُوهُ، ويُقِرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ ؛ إِذ شَوَاهِدُ رُبُوبِيَّتِهِ دَالَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَحُجَجُهُ نَيِّرَةٌ وَاضِحَةٌ، وَأَعْلاَمُهُ لاَئِحَةٌ تَدْعُوهُمْ إِلى تَوْحِيدِ اللّه‏ِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَشْهَدُ عَلى أَنْفُسِهَا لِصَانِعِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالاْءِلهِيَّةِ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ آثَارِ صُنْعِهِ، وَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ، فَنَدَبَهُمْ إِلى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِئَلاَّ يُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَجْهَلُوهُ وَيَجْهَلُوا دِينَهُ وَأَحْكَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَكِيمَ لاَ يُبِيحُ الْجَهْلَ بِهِ وَالاْءِنْكارَ لِدِينِهِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَقُ الْكِتَبِ أَن لاَّيَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ»۱، وَقَالَ: «بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ»۲، فَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، مَأْمُورِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ، غَيْرَ مُرَخَّصٍ لَهُم فِي الْمُقَامِ عَلَى الْجَهْلِ ؛ أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ: «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآلءِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ»۳، وَقَالَ: «فَسْٔلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»۴.

فَلَوْ كَانَ يَسَعُ أَهْلَ الصِّحَّةِ والسَّلاَمَةِ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهْلِ، لَمَا أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلى بَعْثَةِ الرُّسُلِ بِالْكُتُبِ وَالاْدَابِ، وَكَانُوا يَكُونُونَ عِندَ ذلِكَ بِمَنْزِلةِ الْبَهَائِمِ، وَمَنْزِلةِ أَهْلِ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ، لَمَا بَقُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلاَّ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ، وَجَبَ أَنَّهُ لاَبُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ، كَامِلِ الاْلَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ.

فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ الْفَطِنُ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ،

1.. الأعراف ۷۹ : ۱۶۹ .

2.. يونس ۱۰ : ۳۹ .

3.. التوبة ۹ : ۱۲۲ .

4.. النحل ۱۶ : ۴۳ ؛ الأنبياء (۲۱) : ۷ .


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
26

فِيمَا جُهِلَ، وَحَظُرَ عَلى غَيْرِهِمُ التَّهَجُّمَ۱ عَلَى الْقَوْلِ بِمَا يَجْهَلُونَ، وَمَنَعَهُمْ جَحْدَ مَا لاَ يَعْلَمُونَ ؛ لِمَا أَرَادَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ مِنِ اسْتِنْقَاذِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ مُلِمَّاتِ۲ الظُّلَمِ، ۱ / ۵

وَمَغْشِيَّاتِ الْبُهَمِ. وَصَلَّى اللّه‏ُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللّه‏ُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرا.

أَمَّا بَعْدُ، فَقَد فَهِمْتُ يَا أَخِي مَا شَكَوْتَ مِنِ اصْطِلاَحِ أَهْلِ دَهْرِنَا عَلَى الْجَهَالَةِ، وَتَوَازُرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي عِمَارَةِ طُرُقِهَا، وَمُبَايَنَتِهِمُ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ، حَتّى كَادَ الْعِلْمُ مَعَهُمْ أَنْ يَأْرِزَ كُلُّهُ، وَتَنْقَطِعَ مَوَادُّهُ ؛ لِمَا قَدْ رَضُوا أَنْ يَسْتَنِدُوا إِلَى الْجَهْلِ، وَيُضَيِّعُوا الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ.

وَسَأَلْتَ: هَلْ يَسَعُ النَّاسَ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهَالَةِ، وَالتَّدَيُّنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، إذْ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الدِّينِ، مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ عَلى جِهَةِ الاْسْتِحْسَانِ وَالنُّشُوءِ عَلَيْهِ، والتَّقْلِيدِ لِلاْبَاءِ وَالْأَسْلاَفِ وَالْكُبَرَاءِ، وَالاْتِّكَالِ عَلَى عُقُولِهِمْ فِي دَقِيقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلِيلِهَا ؟

فَاعْلَمْ يَا أَخِي ـ رَحِمَكَ اللّه‏ُ ـ أَنَّ اللّه‏َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ خَلَقَ عِبَادَهُ خِلْقَةً مُنْفَصِلَةً مِنَ الْبَهَائِمِ فِي الْفِطَنِ وَالْعُقُولِ الْمُرَكَّبَةِ فِيهِمْ، مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَجَعَلَهُمْ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ صِنْفَيْنِ: صِنْفا مِنْهُمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلاَمَةِ، وَصِنْفا مِنْهُمْ أَهْلَ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ؛۳ فَخَصَّ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلاَمَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ، وَوَضَعَ التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ لِلْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ، وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلاَمَةِ، وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلاَمَةِ

1.. «التهجّم» : تفعّل من الهجوم ، وهو الإتيان بغتةً والدخول من غير استيذان ؛ يعني حرم على غيرهم الدخول في الأمر بَغتة من غير رَوِيَّة وملاحظة . راجع : المغرب ، ص۵۰۰ ، هجم .

2.. «الملمّات» جمع الملمّة بمعنى النازلة الشديدة من شدائد الدهر ونوازل الدنيا ، من الإلمام بمعنى النزول ، يقال : قد ألمّ به ، أي نزل به . الصحاح ، ج۵ ، ص۲۰۳۲ ؛ لسان العرب ، ج۱۲ ، ص۵۵۰. لمم .

3.. «الزَّمانَة» هو المرض الذي يدوم زمانا ، والضرر مثْله . اُنظر : المغرب ، ص۲۱ ؛ المصباح المنير ، ص۲۵۶ زمن ؛ لسان العرب ، ج۴ ، ص۴۸۳ (ضرر) . وقال السيّد الداماد : «المراد بأهل الضرر مكفوفو البصر ، قال في الصحاح : رجل ضرير ، أي ذاهب البصر». الرواشح ، ص ۵۵ .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16827
صفحه از 868
پرینت  ارسال به