237
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

اللّه‏ِ وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام: أَجَلْ يَا شَيْخُ، مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً۱ وَلاَ هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلاَّ بِقَضَاءٍ مِنَ اللّه‏ِ وَقَدَرٍ.
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: عِنْدَ اللّه‏ِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ يَا شَيْخُ، فَوَ اللّه‏ِ، لَقَدْ عَظَّمَ اللّه‏ُ لَكُمُ الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ، وَفِي مُقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالاَتِكُمْ مُكْرَهِينَ، وَلاَ إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ.
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَالاَتِنَا مُكْرَهِينَ، وَلاَ إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ، وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟!
فَقَالَ لَهُ: وَتَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْماً، وَقَدَراً لاَزِماً؛ إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذلِكَ، لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللّه‏ِ۲، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَلَمْ تَكُنْ لاَئِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلاَ مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ المُذْنِبُ أَوْلى بِالاْءِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ، وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا، إِنَّ اللّه‏َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ كَلَّفَ تَخْيِيراً۳، وَنَهى تَحْذِيراً، وَأَعْطى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً، وَلَمْ يُمَلِّكْ۴ مُفَوِّضاً، وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثاً «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ‏لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»۵، فَأَنْشَأَ الشَّيْخُ يَقُولُ:

1.. «التَلْعَة» : ما ارتفع من الأرض . وقيل : هو من الأضداد، فيطلق على ما انهبط منها أيضا . اُنظر : الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۱۹۲ تلع.

2.. في مرآة العقول، ج۲، ص۱۷۵: «زواجر اللّه‏: بلاياه النازلة على العصاة بإزاء عصيانهم، وأحكامه في القصاص والحدود ونحو ذلك».

3.. في شرح صدر المتألّهين ، ج ۴ ، ص ۲۸۰ : «تخييرا ، مصدر سدّ مسدّ الحال ، أي حال كونهم مختارين . وتحذيرا ، مفعول له » .

4.. في مرآة العقول، ج۲، ص۱۸۱ : «لم يملّك، على بناء التفعيل ، والمفعول القدرة والإرادة والاختيار . أو على بناء الإفعال؛ بمعنى إعطاء السلطنة».

5.. ص ۳۸ : ۲۷ . وقال العلاّمة الطباطبائي قدس‏سره : «مسألة القضاء والقدر من أقدم الأبحاث في تاريخ الإسلام ، اشتغل به المسلمون في أوائل انتشار الدعوة الإسلاميّة وتصادفها مع أنظار الباحثين من علماء الملل والأديان ، ولمّا كان تعلّق القضاء الحتم بالحوادث ومن بينها بالأفعال الاختياريّة من الإنسان يوجب بحسب الأنظار العامّية الساذجة ارتفاع تأثير الإرادة في الفعل ، وكون الإنسان مجبورا في فعله غير مختار ؛ تشعّب جماعة الباحثين (وهم قليل البضاعة في العلم يومئذٍ) علي فرقتين :
إحداهما ـ وهم المجبّرة ـ أثبتوا تعلّق الإرادة الحتميّة الإلهيّة بالأفعال كسائر الأشياء ، وهو القدر ، وقالوا بكون الإنسان مجبورا غير مختار في أفعاله ، والأفعال مخلوقة للّه‏ تعالى ، وكذا أفعال سائر الأسباب التكوينيّة مخلوقة له .
وثانيتهما ـ وهم المفوّضة ـ أثبتوا اختياريّة الأفعال ، ونفوا تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال الإنسانيّة ، فاستنتجوا كونها مخلوقة للإنسان . ثمّ فرّع كلّ من الطائفتين على قولهم فروعا ، ولم يزالوا على ذلك حتّى تراكمت هناك أقوال وآراء يشمئزّ منها العقل السليم ، كارتفاع العلّيّة بين الأشياء ، وخلق المعاصي ، والإرادة الجزافيّة ، ووجود الواسطة بين النفي والإثبات ، وكون العالم غير محتاج في بقائه إلى الصانع ، إلى غير ذلك من هوساتهم .
والأصل في جميع ذلك عدم تفقّههم في فهم تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال وغيرها ، والبحث فيه طويل الذيل لايسعه المقام علي ضيقه ، غير أنّا نوضح المطلب بمَثَل نضربه ، ونشير به إلى خطأ الفرقتين ، والصواب الذي غفلوا عنه ؛ فلنفرض إنسانا اُوتي سعة من المال والمنال والضياع والدار والعبيد والإماء ، ثمّ اختار واحدا من عبيده ـ وزوّجه إحدى جواريه ـ وأعطاه من الدار والأثاث ما يرفع حوائجه المنزليّة ، ومن المال والضياع ما يسترزق به في حياته بالكسب والتعمير .
فإن قلنا : إنّ هذا الإعطاء لايؤثّر في تملّك العبد شيئا والمولى هو المالك وملكه بجميع ما أعطاه قبل الإعطاء وبعده على السواء ، كان ذلك قول المجبّرة .
وإن قلنا : إنّ العبد صار مالكا وحيدا بعد الإعطاء وبطل به ملك المولى ، وإنّما الأمر إلى العبد يفعل ما يشاء في ملكه ، كان ذلك قول المفوّضة .
وإن قلنا ـ كما هو الحقّ ـ : إنّ العبد يتملّك ما وهبه له المولى في ظرف ملك المولى وفي طوله لا في عرضه ، فالمولى هو المالك الأصلي والذي للعبد ملك في ملك ، كما أنّ الكتابة فعل اختياري منسوب إلى يد الإنسان وإلى نفس الإنسان ، بحيث لايبطل إحدى النسبتين الاُخرى ، كان ذلك القول الحقّ الذي يشير عليه‏السلام إليه في هذا الخبر .
فقوله عليه‏السلام : «لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب» إلى قوله : «وأعطى على القليل كثيرا» إشارة إلى نفي مذهب الجبر بمحاذير ذكرها عليه‏السلام ، ومعناها واضح .
وقوله : «ولم يعص مغلوبا» إشارة إلى نفي مذهب التفويض بمحاذيرها اللازمة ؛ فإنّ الإنسان لو كان خالقا لفعله ، كان مخالفته لما كلّفه اللّه‏ من الفعل غلبة منه على اللّه‏ سبحانه .
وقوله : «ولم يطع مكرها» نفي للجبر ، ومقابلة للجملة السابقة ؛ فلو كان الفعل مخلوقا للّه‏ ـ وهو الفاعل ـ فقد أكره العبد على الإطاعة .
وقوله : «ولم يملك مفوّضا» بالبناء للفاعل وصيغة اسم الفاعل ، نفي للتفويض ، أي لم يملك اللّه‏ ما ملّكه العبد من الفعل بتفويض الأمر إليه وإبطال ملك نفسه .
وقوله عليه‏السلام : «ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيين مبشّرين ومنذرين عبثا» الجملتان يحتمل أن يشار بهما إلى نفي كلّ من الجبر والتفويض ؛ فإنّ الأفعال إذا كانت مخلوقة للّه‏ قائمة به سبحانه ، كان المعاد الذي هو غاية الخلقة أمرا باطلاً ؛ لبطلان الثواب والعقاب إلى آخر ما ذكره عليه‏السلام، وكان بعث الرسل لإقامة الحجّة وتقدمة القيامة عبثا ، ولا معنى لأن يقيم تعالى حجّة على فعل نفسه ، وإذا كانت مخلوقة للإنسان ولا تأثير للّه‏ سبحانه فيها ، لزم أن تكون الخلقة لغاية لايملك اللّه‏ تعالى منه شيئا وهو الباطل ، وبعث الرسل لغرض الهداية التي لايملكها إلاّ الإنسان ليس للّه‏ فيها شأن وهو العبث .
واعلم أنّ البحث عن القضاء والقدر كان في أوّل الأمر مسألة واحدة ، ثمّ تحوّلت ثلاث مسائل أصليّة :
الاُولى : مسألة القضاء وهو تعلّق الإرادة الإلهيّة الحتميّة بكلّ شيء ، والأخبار تقضي فيها بالإثبات ، كما مرّ في الأبواب السابقة .
الثانية : مسألة القدر ، وهو ثبوت تأثير ماله تعالى في الأفعال ، والأخبار تدلّ فيها أيضا على الإثبات .
الثالثة : مسألة الجبر والتفويض ، والأخبار تشير فيها إلى نفي كلا القولين ، وتثبت قولاً ثالثا ، وهو الأمر بين الأمرين ، لا ملكا للّه‏ فقط من غير ملك الإنسان ولا بالعكس ، بل ملكا في طول ملك ، وسلطنة في ظرف سلطنة .
واعلم أيضا أنّ تسمية هؤلاء بالقدريّة مأخوذة ممّا صحّ عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : «إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة» الحديث ، فأخذت المجبّرة تسمّى المفوّضة بالقدريّة ؛ لأنّهم ينكرون القدر ويتكلّمون عليها ، والمفوّضة تسمّي المجبّرة بالقدريّة ؛ لأنّهم يثبتون القدر ، والذي يتحصّل من أخبار أئمّة أهل البيت عليهم‏السلام أنّهم يسمّون كلتا الفرقتين بالقدريّة ، ويطبقون الحديث النبويّ عليهما .
أمّا المجبّرة فلأنّهم ينسبون الخير والشرّ والطاعة والمعصية جميعا إلى غير الإنسان ، كما أنّ المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشرّ جميعا غير الإنسان ، وقوله عليه‏السلام في هذا الخبر مبنيّ على هذا النظر .
وأمّا المفوّضة فلأنّهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلى أفعاله ، واللّه‏ سبحانه بالنسبة إلى غيرها ، كما أنّ المجوس قائلون بإله الخير وإله الشرّ، وقوله عليه‏السلام في الروايات التالية : لاجبر ولاقدر ، ناظر إلى هذا الاعتبار». راجع: هامش الكافي ط ـ الإسلامية، ج۱، ص۱۱۵.


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
236

مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه‏السلام يَقُولُ: «إِنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّه‏ُ مِنْ كُتُبِهِ: أَنِّي أَنَا اللّه‏ُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا، خَلَقْتُ الْخَيْرَ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ: كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ ذَا؟».

۴۰۰.۳. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ كَرْدَمٍ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمُؤمِنِ الْأَنْصَارِيِّ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه‏ِ عليه‏السلام، قَالَ: «قَالَ اللّه‏ُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ: أَنَا اللّه‏ُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا، خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ: كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ هذَا؟».
قَالَ يُونُسُ: يَعْنِي مَنْ يُنْكِرُ هذَا الْأَمْرَ بِتَفَقُّهٍ فِيهِ.

۱ / ۱۵۵

۳۰ ـ بَابُ الْجَبْرِ وَ الْقَدَرِ وَ الْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ۱

۴۰۱.۱. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا رَفَعُوهُ، قَالَ:
«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام جَالِساً بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ صِفِّينَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا۲ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلى أَهْلِ الشَّامِ، أَبِقَضَاءٍ مِنَ

1.. اختلف في انتساب أفعال العباد على أقوال:
الأوّل : هي منتسبة إلى اللّه‏ تعالى، بمعنى جبر اللّه‏ تعالى إيّاهم على الأفعال من غير أن يكون لهم مدخل فيها . هذا هو الجبر ، وهو مذهب الأشاعرة.
الثاني : هي منتسبة إليهم على وجه الاستقلال من غير تصرّف له تعالى أصلاً . وهذا هو القَدَر والتفويض ، وهو مذهب طائفة من المعتزلة.
الثالث: لا هذا ولا ذاك ، بل طريق متوسّط بينهما ، وهو أنّ أفعالهم بقدرتهم واختيارهم مع تعلّق قضاء اللّه‏ وقدره وإرادته بها . وهذا هو الأمر بين الأمرين، وهو مذهب الإماميّة تبعا لأهل البيت عليهم‏السلام . اُنظر : شرح المازندراني ، ج ۵ ، ص ۲ ـ ۴.

2.. جثا يجثو ، أي جلس على رُكبتيه، أو قام على أطراف أصابعه . القاموس المحيط ، ج ۲، ص ۱۶۶۶ جثو.

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 13751
صفحه از 868
پرینت  ارسال به