211
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

وَبَعْدَ صُرُوفِ الْأُمُورِ، الَّذِي لاَ يَبِيدُ وَلاَ يَنْفَدُ.
بِذلِكَ أَصِفُ رَبِّي، فَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللّه‏ُ مِنْ عَظِيمٍ مَا أَعْظَمَهُ! وَمِنْ جَلِيلٍ مَا أَجَلَّهُ! وَمِنْ عَزِيزٍ مَا أَعَزَّهُ! وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً».
وَ هذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ مَشْهُورَاتِ خُطَبِهِ عليه‏السلام حَتّى لَقَدِ ابْتَذَلَهَا۱ الْعَامَّةُ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِمَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ إِذَا تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَ مَا فِيهَا، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَلْسِنَةُ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ ـ لَيْسَ فِيهَا لِسَانُ نَبِيٍّ ـ عَلى أَنْ يُبَيِّنُوا التَّوْحِيدَ بِمِثْلِ مَا أَتى بِهِ ـ بِأَبِي وَأُمِّي ـ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ لاَ إِبَانَتُهُ عليه‏السلام، مَا عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ يَسْلُكُونَ سَبِيلَ التَّوْحِيدِ.
أَ لاَ تَرَوْنَ إِلى قَوْلِهِ: «لاَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ، وَلاَ مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى بِقَوْلِهِ: «لاَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ» مَعْنَى الْحُدُوثِ، وَكَيْفَ أَوْقَعَ عَلى مَا أَحْدَثَهُ صِفَةَ الْخَلْقِ وَالاِخْتِرَاعِ بِلاَ أَصْلٍ وَلاَ مِثَالٍ؛ نَفْياً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ، بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ؛ وَإِبْطَالاً لِقَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لاَ يُحْدِثُ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ أَصْلٍ، وَلاَ يُدَبِّرُ إِلاَّ بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ، فَدَفَعَ عليه‏السلام بِقَوْلِهِ: «لاَ مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» جَمِيعَ حُجَجِ الثَّنَوِيَّةِ وَشُبَهِهِمْ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَعْتَمِدُ الثَّنَوِيَّةُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنْ يَقُولُوا: لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْ شَيْءٍ، أَوْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، فَقَوْلُهُمْ: «مِنْ شَيْءٍ» خَطَأٌ، وَقَوْلُهُمْ: «مِنْ لاَ شَيْءٍ» مُنَاقَضَةٌ وَإِحَالَةٌ؛ لِأَنَّ «مِنْ» تُوجِبُ شَيْئاً، وَ«لاَ شَيْءٍ» تَنْفِيهِ، فَأَخْرَجَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه‏السلام هذِهِ اللَّفْظَةَ عَلى أَبْلَغِ الْأَلْفَاظِ وَأَصَحِّهَا، فَقَالَ عليه‏السلام: «لا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى ۱ / ۱۳۷
«مِنْ»؛ إِذْ كَانَتْ تُوجِبُ شَيْئاً، وَنَفَى الشَّيْءَ؛ إِذْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوقاً مُحْدَثاً، لاَ مِنْ أَصْلٍ أَحْدَثَهُ الْخَالِقُ كَمَا قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ: إِنَّهُ خَلَقَ مِنْ أَصْلٍ قَدِيمٍ، فَلاَ يَكُونُ تَدْبِيرٌ إِلاَّ بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ.
ثُمَّ قَوْلِهِ عليه‏السلام: «لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ، وَلاَ حَدٌّ يُضْرَبُ لَهُ فِيهِ الْأَمْثَالُ، كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ اللُّغَاتِ» فَنَفى عليه‏السلام أَقَاوِيلَ الْمُشَبِّهَةِ حِينَ شَبَّهُوهُ بِالسَّبِيكَةِ وَالْبِلَّوْرَةِ، وَغَيْرَ ذلِكَ

1.. «الابتذال»: الامتهان والاحتقار ، وضدّ الصيانة . انظر : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۵۰ بذل.


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
210

الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لاَ يُغَيِّرُهُ صُرُوفُ الْأَزْمَانِ، وَلاَ يَتَكَأَّدُهُ۱ صُنْعُ شَيْءٍ كَانَ،إِنَّمَا قَالَ لِمَا شَاءَ: «كُنْ» فَكَانَ.
ابْتَدَعَ مَا خَلَقَ بِلاَ مِثَالٍ سَبَقَ، وَلاَ تَعَبٍ وَلاَ نَصَبٍ۲، وَكُلُّ صَانِعِ شَيْءٍ فَمِنْ شَيْءٍ صَنَعَ، وَاللّه‏ُ لاَ مِنْ شَيْءٍ صَنَعَ مَا خَلَقَ، وَكُلُّ عَالِمٍ فَمِنْ بَعْدِ جَهْلٍ تَعَلَّمَ، وَاللّه‏ُ لَمْ يَجْهَلْ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ، أَحَاطَ بِالْأَشْيَاءِ عِلْماً قَبْلَ كَوْنِهَا، فَلَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهَا عِلْماً، عِلْمُهُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَهَا كَعِلْمِهِ بَعْدَ تَكْوِينِهَا، لَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ، وَلاَ خَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَلاَ نُقْصَانٍ، وَلاَ اسْتِعَانَةٍ عَلى ضِدٍّ مُنَاوٍ۳، وَلاَ نِدٍّ مُكَاثِرٍ، وَلاَ شَرِيكٍ مُكَابِرٍ، لكِنْ خَلاَئِقُ مَرْبُوبُونَ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ۴.
فَسُبْحَانَ الَّذِي لاَ يَؤُودُهُ۵ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ، وَلاَ تَدْبِيرُ مَا بَرَأَ، وَلاَ مِنْ عَجْزٍ وَلاَ مِنْ ۱ / ۱۳۶
فَتْرَةٍ بِمَا خَلَقَ اكْتَفى، عَلِمَ مَا خَلَقَ، وَخَلَقَ مَا عَلِمَ، لاَ بِالتَّفْكِيرِ فِي عِلْمٍ حَادِثٍ أَصَابَ مَا خَلَقَ، وَلاَ شُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَخْلُقْ، لكِنْ قَضَاءٌ مُبْرَمٌ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ، وَأَمْرٌ مُتْقَنٌ.
تَوَحَّدَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَخَصَّ نَفْسَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَاسْتَخْلَصَ بِالْمَجْدِ وَالثَّنَاءِ، وَتَفَرَّدَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْمَجْدِ وَالسَّنَاءِ۶، وَتَوَحَّدَ بِالتَّحْمِيدِ، وَتَمَجَّدَ بِالتَّمْجِيدِ، وَعَلاَ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ، وَتَطَهَّرَ وَتَقَدَّسَ عَنْ مُلاَمَسَةِ النِّسَاءِ، وَعَزَّ و جَلَّ عَنْ مُجَاوَرَةِ الشُّرَكَاءِ، فَلَيْسَ لَهُ فِيمَا خَلَقَ ضِدٌّ، وَلاَ لَهُ فِيمَا مَلَكَ نِدٌّ، وَلَمْ يَشْرَكْهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الْمُبِيدُ۷ لِلْأَبَدِ، وَالْوَارِثُ لِلْأَمَدِ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ وَحْدَانِيّاً أَزَلِيّاً قَبْلَ بَدْءِ الدُّهُورِ،

1.. «لا يتكأّده» أي لايثقله ولا يشقّ عليه . اُنظر : الصحاح ، ج ۲ ، ص ۵۲۹ كأد.

2.. «النَصَب» و«التَعَب» بمعنى واحد، وهو الكلال والإعياء . اُنظر : الصحاح ، ج ۱، ص ۹۱ و ۲۲۵ تعب و(نصب) .

3.. قوله : «مناو» أي معادٍ ، من ناواه، بمعنى عاداه . اُنظر : الصحاح ، ج ۱ ، ص ۷۹ نوأ .

4.. «داخرون» أي أذلاّء ، من الدخور بمعنى الصَغار والذلّ . اُنظر : الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۵۵ دخر.

5.. «لايؤوده» أي لايثقله . أصله من الأوْد بمعنى الثقل . اُنظر : الصحاح ، ج ۲، ص ۴۴۲ : أود.

6.. السناء: الرفعة والشرف. انظر: الصحاح، ج ۶، ص ۲۳۸۳ سنا.

7.. «المبيد» : المُهلِك ، من الإباد بمعنى الهلاك . انظر : الصحاح ، ج ۲، ص ۴۵۰ بيد .

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16842
صفحه از 868
پرینت  ارسال به