وَبَعْدَ صُرُوفِ الْأُمُورِ، الَّذِي لاَ يَبِيدُ وَلاَ يَنْفَدُ.
بِذلِكَ أَصِفُ رَبِّي، فَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ مِنْ عَظِيمٍ مَا أَعْظَمَهُ! وَمِنْ جَلِيلٍ مَا أَجَلَّهُ! وَمِنْ عَزِيزٍ مَا أَعَزَّهُ! وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً».
وَ هذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ مَشْهُورَاتِ خُطَبِهِ عليهالسلام حَتّى لَقَدِ ابْتَذَلَهَا۱ الْعَامَّةُ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِمَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ إِذَا تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَ مَا فِيهَا، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَلْسِنَةُ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ ـ لَيْسَ فِيهَا لِسَانُ نَبِيٍّ ـ عَلى أَنْ يُبَيِّنُوا التَّوْحِيدَ بِمِثْلِ مَا أَتى بِهِ ـ بِأَبِي وَأُمِّي ـ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ لاَ إِبَانَتُهُ عليهالسلام، مَا عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ يَسْلُكُونَ سَبِيلَ التَّوْحِيدِ.
أَ لاَ تَرَوْنَ إِلى قَوْلِهِ: «لاَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ، وَلاَ مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى بِقَوْلِهِ: «لاَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ» مَعْنَى الْحُدُوثِ، وَكَيْفَ أَوْقَعَ عَلى مَا أَحْدَثَهُ صِفَةَ الْخَلْقِ وَالاِخْتِرَاعِ بِلاَ أَصْلٍ وَلاَ مِثَالٍ؛ نَفْياً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ، بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ؛ وَإِبْطَالاً لِقَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لاَ يُحْدِثُ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ أَصْلٍ، وَلاَ يُدَبِّرُ إِلاَّ بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ، فَدَفَعَ عليهالسلام بِقَوْلِهِ: «لاَ مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» جَمِيعَ حُجَجِ الثَّنَوِيَّةِ وَشُبَهِهِمْ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَعْتَمِدُ الثَّنَوِيَّةُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنْ يَقُولُوا: لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْ شَيْءٍ، أَوْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، فَقَوْلُهُمْ: «مِنْ شَيْءٍ» خَطَأٌ، وَقَوْلُهُمْ: «مِنْ لاَ شَيْءٍ» مُنَاقَضَةٌ وَإِحَالَةٌ؛ لِأَنَّ «مِنْ» تُوجِبُ شَيْئاً، وَ«لاَ شَيْءٍ» تَنْفِيهِ، فَأَخْرَجَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليهالسلام هذِهِ اللَّفْظَةَ عَلى أَبْلَغِ الْأَلْفَاظِ وَأَصَحِّهَا، فَقَالَ عليهالسلام: «لا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى ۱ / ۱۳۷
«مِنْ»؛ إِذْ كَانَتْ تُوجِبُ شَيْئاً، وَنَفَى الشَّيْءَ؛ إِذْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوقاً مُحْدَثاً، لاَ مِنْ أَصْلٍ أَحْدَثَهُ الْخَالِقُ كَمَا قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ: إِنَّهُ خَلَقَ مِنْ أَصْلٍ قَدِيمٍ، فَلاَ يَكُونُ تَدْبِيرٌ إِلاَّ بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ.
ثُمَّ قَوْلِهِ عليهالسلام: «لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ، وَلاَ حَدٌّ يُضْرَبُ لَهُ فِيهِ الْأَمْثَالُ، كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ اللُّغَاتِ» فَنَفى عليهالسلام أَقَاوِيلَ الْمُشَبِّهَةِ حِينَ شَبَّهُوهُ بِالسَّبِيكَةِ وَالْبِلَّوْرَةِ، وَغَيْرَ ذلِكَ