الَّتِي كَانَتْ بُنِيَتْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الاْءِنْسَانَ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلاَ كَلْبٍ، فَافْهَمْ ذلِكَ رَحِمَكَ اللّهُ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّهُ تَعَالى بِالْعِلْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ حَادِثٍ عَلِمَ بِهِ الْأَشْيَاءَ، اسْتَعَانَ بِهِ عَلى حِفْظِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِهِ، وَالرَّوِيَّةِ فِيمَا يَخْلُقُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُفْسِدُ مَا مَضى مِمَّا أَفْنى مِنْ خَلْقِهِ، مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ذلِكَ الْعِلْمُ وَيَغِيبُهُ كَانَ جَاهِلاً ضَعِيفاً، كَمَا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا عُلَمَاءَ الْخَلْقِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْعِلْمِ لِعِلْمٍ حَادِثٍ؛ إِذْ كَانُوا فِيهِ جَهَلَةً، وَرُبَّمَا فَارَقَهُمُ الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ، فَعَادُوا إِلَى الْجَهْلِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّهُ عَالِماً؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجْهَلُ شَيْئاً، فَقَدْ جَمَعَ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ اسْمُ الْعَالِمِ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى عَلى مَا رَأَيْتَ.
وَسُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعاً لاَ بِخَرْتٍ۱ فِيهِ يَسْمَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَلاَ يُبْصِرُ بِهِ، كَمَا أَنَّ خَرْتَنَا ـ الَّذِي بِهِ نَسْمَعُ ـ لاَ نَقْوى بِهِ عَلَى الْبَصَرِ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ، لَيْسَ عَلى حَدِّ مَا سُمِّينَا نَحْنُ، فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ بِالسَّمْعِ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى.
وَهكَذَا الْبَصَرُ لاَ بِخَرْتٍ مِنْهُ أَبْصَرَ، كَمَا أَنَّا نُبْصِرُ بِخَرْتٍ مِنَّا لاَ نَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَلكِنَّ اللّهَ بَصِيرٌ لاَ يَحْتَمِلُ شَخْصاً مَنْظُوراً إِلَيْهِ، فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى.
وَهُوَ قَائِمٌ لَيْسَ عَلى مَعْنَى انْتِصَابٍ وَقِيَامٍ عَلى سَاقٍ فِي كَبَدٍ۲ كَمَا قَامَتِ الْأَشْيَاءُ، وَلكِنْ «قَائِمٌ» يُخْبِرُ أَنَّهُ حَافِظٌ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: الْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فُلاَنٌ، وَاللّهُ هُوَ الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَالْقَائِمُ أَيْضاً فِي كَلاَمِ النَّاسِ: الْبَاقِي؛ وَالْقَائِمُ أَيْضاً يُخْبِرُ عَنِ الْكِفَايَةِ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: قُمْ بِأَمْرِ بَنِي فُلاَنٍ، أَيِ اكْفِهِمْ، وَالْقَائِمُ مِنَّا قَائِمٌ عَلى سَاقٍ، فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ وَلَمْ نَجْمَعِ الْمَعْنى.