191
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

الَّتِي كَانَتْ بُنِيَتْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الاْءِنْسَانَ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلاَ كَلْبٍ، فَافْهَمْ ذلِكَ رَحِمَكَ اللّه‏ُ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه‏ُ تَعَالى بِالْعِلْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ حَادِثٍ عَلِمَ بِهِ الْأَشْيَاءَ، اسْتَعَانَ بِهِ عَلى حِفْظِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِهِ، وَالرَّوِيَّةِ فِيمَا يَخْلُقُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُفْسِدُ مَا مَضى مِمَّا أَفْنى مِنْ خَلْقِهِ، مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ذلِكَ الْعِلْمُ وَيَغِيبُهُ كَانَ جَاهِلاً ضَعِيفاً، كَمَا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا عُلَمَاءَ الْخَلْقِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْعِلْمِ لِعِلْمٍ حَادِثٍ؛ إِذْ كَانُوا فِيهِ جَهَلَةً، وَرُبَّمَا فَارَقَهُمُ الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ، فَعَادُوا إِلَى الْجَهْلِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه‏ُ عَالِماً؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجْهَلُ شَيْئاً، فَقَدْ جَمَعَ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ اسْمُ الْعَالِمِ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى عَلى مَا رَأَيْتَ.
وَسُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعاً لاَ بِخَرْتٍ۱ فِيهِ يَسْمَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَلاَ يُبْصِرُ بِهِ، كَمَا أَنَّ خَرْتَنَا ـ الَّذِي بِهِ نَسْمَعُ ـ لاَ نَقْوى بِهِ عَلَى الْبَصَرِ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ، لَيْسَ عَلى حَدِّ مَا سُمِّينَا نَحْنُ، فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ بِالسَّمْعِ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى.
وَهكَذَا الْبَصَرُ لاَ بِخَرْتٍ مِنْهُ أَبْصَرَ، كَمَا أَنَّا نُبْصِرُ بِخَرْتٍ مِنَّا لاَ نَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَلكِنَّ اللّه‏َ بَصِيرٌ لاَ يَحْتَمِلُ شَخْصاً مَنْظُوراً إِلَيْهِ، فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى.
وَهُوَ قَائِمٌ لَيْسَ عَلى مَعْنَى انْتِصَابٍ وَقِيَامٍ عَلى سَاقٍ فِي كَبَدٍ۲ كَمَا قَامَتِ الْأَشْيَاءُ، وَلكِنْ «قَائِمٌ» يُخْبِرُ أَنَّهُ حَافِظٌ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: الْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فُلاَنٌ، وَاللّه‏ُ هُوَ الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَالْقَائِمُ أَيْضاً فِي كَلاَمِ النَّاسِ: الْبَاقِي؛ وَالْقَائِمُ أَيْضاً يُخْبِرُ عَنِ الْكِفَايَةِ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: قُمْ بِأَمْرِ بَنِي فُلاَنٍ، أَيِ اكْفِهِمْ، وَالْقَائِمُ مِنَّا قَائِمٌ عَلى سَاقٍ، فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ وَلَمْ نَجْمَعِ الْمَعْنى.

1.. «الخَرت» و«الخُرْت» : ثقب الإبرة والفأس والاُذن وغيرها . اُنظر : لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۲۹ : خرت.

2.. «الكَبَد» : الشدّة والضيق والتعب والمشقّة . اُنظر : النهاية ، ج ۴ ، ص ۱۳۹ كبد.


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
190

دَيْمُومِيَّتِهِ، فَقَدْ بَانَ لَنَا بِإِقْرَارِ الْعَامَّةِ۱ مُعْجِزَةَ الصِّفَةِ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ قَبْلَ اللّه‏ِ، وَلاَ شَيْءَ مَعَ اللّه‏ِ فِي بَقَائِهِ، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ وَذلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ فِي بَقَائِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ خَالِقاً لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقاً لِمَنْ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ؟! وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، كَانَ الْأَوَّلَ ذلِكَ الشَّيْءُ، لاَ هذَا، وَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلى بِأَنْ يَكُونَ خَالِقاً لِلثَّانِي.
ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ بِأَسْمَاءٍ دَعَا الْخَلْقَ ـ إِذْ خَلَقَهُمْ وَتَعَبَّدَهُمْ وَابْتَلاَهُمْ ـ إِلى أَنْ يَدْعُوهُ بِهَا، فَسَمّى نَفْسَهُ سَمِيعاً، بَصِيراً، قَادِراً، قَائِماً، نَاطِقاً، ظَاهِراً، بَاطِناً، لَطِيفاً، خَبِيراً، قَوِيّاً، عَزِيزاً، حَكِيماً، عَلِيماً، وَمَا أَشْبَهَ هذِهِ الْأَسْمَاءَ.
فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْغَالُونَ الْمُكَذِّبُونَ ـ وَقَدْ سَمِعُونَا نُحَدِّثُ عَنِ اللّه‏ِ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ مِثْلُهُ، وَلاَ شَيْءَ مِنَ الْخَلْقِ فِي حَالِهِ ـ قَالُوا: أَخْبِرُونَا ـ إِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ مِثْلَ لِلّهِ وَلاَ شِبْهَ لَهُ ـ كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنى، فَتَسَمَّيْتُمْ بِجَمِيعِهَا؟! فَإِنَّ فِي ذلِكَ دَلِيلاً عَلى أَنَّكُمْ مِثْلُهُ فِي حَالاَتِهِ كُلِّهَا، أَوْ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ؛ إِذْ جَمَعْتُمُ الْأَسْمَاءَ الطَّيِّبَةَ.
قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ اللّه‏َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَلْزَمَ الْعِبَادَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَى اخْتِلاَفِ ۱ / ۱۲۱
الْمَعَانِي؛ وَذلِكَ كَمَا يَجْمَعُ الاِسْمُ الْوَاحِدُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلى ذلِكَ قَوْلُ النَّاسِ الْجَائِزُ عِنْدَهُمُ الشَّائِعُ، وَهُوَ الَّذِي خَاطَبَ اللّه‏ُ بِهِ الْخَلْقَ، فَكَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً فِي تَضْيِيعِ مَا ضَيَّعُوا؛ فَقَدْ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: كَلْبٌ، وَحِمَارٌ، وَثَوْرٌ، وَسُكَّرَةٌ۲، وَعَلْقَمَةٌ۳، وَأَسَدٌ، كُلُّ ذلِكَ عَلى خِلاَفِهِ وَحَالاَتِهِ، لَمْ تَقَعِ الْأَسَامِي عَلى مَعَانِيهَا

1.. في شرح المازندراني ، ج۴ ، ص۵۱ : «بإقرار العامّة ، أي بإقرار عامّة الموجودات، كلّها بلسان الحال والإمكان ، وبعضها بلسان المقال والبيان».

2.. «السُكَّرَة» : واحدة السُكَّر ، وهو فارسيّ معرّب . وفي المغرب : «السكّر ـ بالتشديد ـ ضرب من الرطب مشبه بالسكّر المعروف في الحلاوة» . الصحاح ، ج ۲ ص ۶۸۸؛ المغرب ، ص ۲۲۹ سكر.

3.. «العَلْقَم»: شجر مُرّ . ويقال للحنظل ولكلّ شيء مُرّ : علقم . الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۹۹۱ علقم.

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16686
صفحه از 868
پرینت  ارسال به