شِئْتَ»، فَقَالَ: مَا الدَّلِيلُ عَلى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ؟ فَقَالَ: «إِنِّي مَا وَجَدْتُ شَيْئاً ـ صَغِيراً وَلاَ كَبِيراً ـ إِلاَّ وَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، صَارَ أَكْبَرَ، وَفِي ذلِكَ زَوَالٌ وَانْتِقَالٌ مِنَ الْحَالَةِ الْأُولى، وَلَوْ كَانَ قَدِيماً، مَا زَالَ وَلاَ حَالَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَزُولُ وَيَحُولُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيُبْطَلَ، فَيَكُونُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ دُخُولٌ فِي الْحَدَثِ، وَفِي كَوْنِهِ فِي الْأَزَلِ دُخُولُهُ فِي الْقِدَمِ، وَلَنْ تَجْتَمِعَ صِفَةُ الْأَزَلِ وَالْعَدَمِ، وَالْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ».
فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ: هَبْكَ عَلِمْتَ فِي جَرْيِ الْحَالَتَيْنِ وَالزَّمَانَيْنِ ـ عَلى مَا ذَكَرْتَ ـ فَاسْتَدْلَلْتَ بِذلِكَ عَلى حُدُوثِهَا، فَلَوْ بَقِيَتِ الْأَشْيَاءُ عَلى صِغَرِهَا، مِنْ أَيْنَ كَانَ لَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلى حُدُوثِهِا؟ فَقَالَ الْعَالِمُ عليهالسلام: «إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلى هذَا الْعَالَمِ الْمَوْضُوعِ، فَلَوْ رَفَعْنَاهُ وَوَضَعْنَا عَالَماً آخَرَ، كَانَ لاَ شَيْءَ أَدَلَّ عَلَى الْحَدَثِ مِنْ رَفْعِنَا إِيَّاهُ وَوَضْعِنَا غَيْرَهُ، وَلكِنْ أُجِيبُكَ مِنْ حَيْثُ قَدَّرْتَ أَنْ تُلْزِمَنَا وَنَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَوْ دَامَتْ عَلى صِغَرِهَا، لَكَانَ فِي الْوَهْمِ أَنَّهُ مَتى ضُمَّ شَيْءٌ إِلى مِثْلِهِ، كَانَ أَكْبَرَ، وَفِي جَوَازِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ مِنَ الْقِدَمِ، كَمَا أَنَّ فِي تَغَيُّرِهِ دُخُولَهُ فِي الْحَدَثِ، لَيْسَ لَكَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ». فَانْقَطَعَ وَخُزِيَ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، الْتَقى مَعَهُ فِي الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ شِيعَتِهِ: إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَدْ أَسْلَمَ، فَقَالَ الْعَالِمُ عليهالسلام: «هُوَ أَعْمى مِنْ ذلِكَ، لاَ يُسْلِمُ» فَلَمَّا بَصُرَ بِالْعَالِمِ عليهالسلام، ۱ / ۷۸
قَالَ: سَيِّدِي وَمَوْلاَيَ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ عليهالسلام: «مَا جَاءَ بِكَ إِلى هذَا الْمَوْضِعِ؟» فَقَالَ: عَادَةُ الْجَسَدِ وَسُنَّةُ الْبَلَدِ، وَلِنَنْظُرَ مَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْجُنُونِ، وَالْحَلْقِ، وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ عليهالسلام: «أَنْتَ بَعْدُ عَلى عُتُوِّكَ۱ وَضَلاَلِكَ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ». فَذَهَبَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عليهالسلام: «لاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ» وَنَفَضَ رِدَاءَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: «إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ ـ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُ ـ نَجَوْنَا وَنَجَوْتَ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ ـ وَهُوَ كَمَا نَقُولُ ـ نَجَوْنَا وَهَلَكْتَ».