137
الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل

شِئْتَ»، فَقَالَ: مَا الدَّلِيلُ عَلى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ؟ فَقَالَ: «إِنِّي مَا وَجَدْتُ شَيْئاً ـ صَغِيراً وَلاَ كَبِيراً ـ إِلاَّ وَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، صَارَ أَكْبَرَ، وَفِي ذلِكَ زَوَالٌ وَانْتِقَالٌ مِنَ الْحَالَةِ الْأُولى، وَلَوْ كَانَ قَدِيماً، مَا زَالَ وَلاَ حَالَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَزُولُ وَيَحُولُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيُبْطَلَ، فَيَكُونُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ دُخُولٌ فِي الْحَدَثِ، وَفِي كَوْنِهِ فِي الْأَزَلِ دُخُولُهُ فِي الْقِدَمِ، وَلَنْ تَجْتَمِعَ صِفَةُ الْأَزَلِ وَالْعَدَمِ، وَالْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ».
فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ: هَبْكَ عَلِمْتَ فِي جَرْيِ الْحَالَتَيْنِ وَالزَّمَانَيْنِ ـ عَلى مَا ذَكَرْتَ ـ فَاسْتَدْلَلْتَ بِذلِكَ عَلى حُدُوثِهَا، فَلَوْ بَقِيَتِ الْأَشْيَاءُ عَلى صِغَرِهَا، مِنْ أَيْنَ كَانَ لَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلى حُدُوثِهِا؟ فَقَالَ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلى هذَا الْعَالَمِ الْمَوْضُوعِ، فَلَوْ رَفَعْنَاهُ وَوَضَعْنَا عَالَماً آخَرَ، كَانَ لاَ شَيْءَ أَدَلَّ عَلَى الْحَدَثِ مِنْ رَفْعِنَا إِيَّاهُ وَوَضْعِنَا غَيْرَهُ، وَلكِنْ أُجِيبُكَ مِنْ حَيْثُ قَدَّرْتَ أَنْ تُلْزِمَنَا وَنَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَوْ دَامَتْ عَلى صِغَرِهَا، لَكَانَ فِي الْوَهْمِ أَنَّهُ مَتى ضُمَّ شَيْءٌ إِلى مِثْلِهِ، كَانَ أَكْبَرَ، وَفِي جَوَازِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ مِنَ الْقِدَمِ، كَمَا أَنَّ فِي تَغَيُّرِهِ دُخُولَهُ فِي الْحَدَثِ، لَيْسَ لَكَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ». فَانْقَطَعَ وَخُزِيَ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، الْتَقى مَعَهُ فِي الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ شِيعَتِهِ: إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَدْ أَسْلَمَ، فَقَالَ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «هُوَ أَعْمى مِنْ ذلِكَ، لاَ يُسْلِمُ» فَلَمَّا بَصُرَ بِالْعَالِمِ عليه‏السلام، ۱ / ۷۸
قَالَ: سَيِّدِي وَمَوْلاَيَ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «مَا جَاءَ بِكَ إِلى هذَا الْمَوْضِعِ؟» فَقَالَ: عَادَةُ الْجَسَدِ وَسُنَّةُ الْبَلَدِ، وَلِنَنْظُرَ مَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْجُنُونِ، وَالْحَلْقِ، وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «أَنْتَ بَعْدُ عَلى عُتُوِّكَ۱ وَضَلاَلِكَ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ». فَذَهَبَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عليه‏السلام: «لاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ» وَنَفَضَ رِدَاءَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: «إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ ـ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُ ـ نَجَوْنَا وَنَجَوْتَ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ ـ وَهُوَ كَمَا نَقُولُ ـ نَجَوْنَا وَهَلَكْتَ».

1.. «العتوّ» : التجبّر والتكبّر . اُنظر : لسان العرب ، ج ۱۵ ، ص ۲۷ ـ ۲۸ عتو.


الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
136

ذلِكَ، وَلكِنْ أَفْتَحُ عَلَيْكَ بِسُؤالٍ» وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَ مَصْنُوعٌ أَنْتَ، أَوْ غَيْرُ مَصْنُوعٍ؟» فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ: بَلْ أَنَا غَيْرُ مَصْنُوعٍ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «فَصِفْ لِي: لَوْ كُنْتَ مَصْنُوعاً، كَيْفَ كُنْتَ تَكُونُ؟» فَبَقِيَ عَبْدُ الْكَرِيمِ مَلِيّاً۱ لاَ يُحِيرُ۲ جَوَاباً، وَوَلِعَ۳ بِخَشَبَةٍ كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: طَوِيلٌ عَرِيضٌ، عَمِيقٌ قَصِيرٌ، مُتَحَرِّكٌ سَاكِنٌ، كُلُّ ذلِكَ صِفَةُ خَلْقِهِ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ عليه‏السلام: «فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَعْلَمْ صِفَةَ الصَّنْعَةِ غَيْرَهَا، فَاجْعَلْ نَفْسَكَ مَصْنُوعاً؛ لِمَا تَجِدُ فِي نَفْسِكَ مِمَّا يَحْدُثُ مِنْ هذِهِ الْأُمُورِ».
۱ / ۷۷
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ: سَأَلْتَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَسْأَلْنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَلاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ بَعْدَكَ عَنْ مِثْلِهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه‏ِ عليه‏السلام: «هَبْكَ۴ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُسْأَلْ فِيمَا مَضى، فَمَا عَلَّمَكَ أَنَّكَ لاَ تُسْأَلُ فِيمَا بَعْدُ؟ عَلى أَنَّكَ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ، نَقَضْتَ قَوْلَكَ؛ لِأَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ، فَكَيْفَ قَدَّمْتَ وَأَخَّرْتَ؟!».
ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ، أَزِيدُكَ وُضُوحاً، أَ رَأَيْتَ، لَوْ كَانَ مَعَكَ كِيسٌ فِيهِ جَوَاهِرُ، فَقَالَ لَكَ قائِلٌ: هَلْ فِي الْكِيسِ دِينَارٌ؟ فَنَفَيْتَ كَوْنَ الدِّينَارِ فِي الْكِيسِ، فَقَالَ لَكَ قَائِلٌ: صِفْ لِيَ الدِّينَارَ، وَكُنْتَ غَيْرَ عَالِمٍ بِصِفَتِهِ، هَلْ كَانَ لَكَ أَنْ تَنْفِيَ كَوْنَ الدِّينَارِ فِي الْكِيسِ وَأَنْتَ لاَ تَعْلَمُ؟» قَالَ: لاَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه‏ِ عليه‏السلام: «فَالْعَالَمُ أَكْبَرُ وَأَطْوَلُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْكِيسِ، فَلَعَلَّ فِي الْعَالَمِ صَنْعَةً؛ مِنْ حَيْثُ لاَ تَعْلَمُ صِفَةَ الصَّنْعَةِ مِنْ غَيْرِ الصَّنْعَةِ».
فَانْقَطَعَ عَبْدُ الْكَرِيمِ، وَأَجَابَ إِلَى الاْءِسْلاَمِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَبَقِيَ مَعَهُ بَعْضٌ.
فَعَادَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَقَالَ: أَقْلِبُ السُّؤالَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه‏ِ عليه‏السلام: «سَلْ عَمَّا

1.. «المَليّ»: الطائفة من الزمان لاحدّ لها . النهاية ، ج۴ ، ص ۳۶۳ ملو.

2.. «لايحير» أي لايرجع ولا يردّ ، من الحور بمعنى الرجوع عن الشيء وإلى الشيء. اُنظر : لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۲۱۷ ـ ۲۱۸ حور.

3.. «وَلِعَ بخشبة» أي حرص عليه وبالغ في تناوله . اُنظر : مرآة العقول ، ج ۱، ص ۲۴۹.

4.. «هبك» أي افرض واحسب نفسك علمت. يقال: هبني فعلتُ ذلك، أي احسبني واعدُدْني فعلت . ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعنى . اُنظر : لسان العرب ، ج ۱، ص ۴ : ۸ وهب.

  • نام منبع :
    الکافي ( الأصول ) المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16878
صفحه از 868
پرینت  ارسال به