قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، فِي أَيِّ صُورَةٍ يَرْجِعُ؟
قَالَ: «فِي صُورَةِ رَجُلٍ شَاحِبٍ۱ مُتَغَيِّرٍ يُبْصِرُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ، فَيَأْتِي الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا ـ الَّذِي كَانَ يَعْرِفُهُ وَ يُجَادِلُ بِهِ أَهْلَ الْخِلاَفِ ـ فَيَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا تَعْرِفُنِي؟ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ يَا عَبْدَ اللّهِ».
قَالَ: «فَيَرْجِعُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ، وَ يَقُولُ: مَا تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ الْقُرْآنُ: أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَ أَنْصَبْتُ۲ عَيْشَكَ، سَمِعْتَ الْأَذى، وَ رُجِمْتَ
بِالْقَوْلِ فِيَّ، أَلاَ وَ إِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ قَدِ اسْتَوْفى تِجَارَتَهُ، وَ أَنَا وَرَاءَكَ الْيَوْمَ».
قَالَ: «فَيَنْطَلِقُ بِهِ إِلى رَبِّ الْعِزَّةِ ـ تَبَارَكَ وَ تَعَالى ـ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، عَبْدُكَ، وَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ قَدْ كَانَ نَصِباً بِي، مُوَاظِباً عَلَيَّ، يُعَادى بِسَبَبِي، وَ يُحِبُّ فِيَّ وَ يُبْغِضُ، فَيَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي جَنَّتِي، وَ اكْسُوهُ حُلَّةً مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةَ، وَ تَوِّجُوهُ بِتَاجٍ، فَإِذَا فُعِلَ بِهِ ذلِكَ، عُرِضَ عَلَى الْقُرْآنِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ رَضِيتَ بِمَا صُنِعَ بِوَلِيِّكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنِّي أَسْتَقِلُّ هذَا لَهُ، فَزِدْهُ مَزِيدَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، فَيَقُولُ: وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي وَ عُلُوِّي وَ ارْتِفَاعِ مَكَانِي، لَأَنْحَلَنَّ۳ لَهُ الْيَوْمَ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ مَعَ الْمَزِيدِ لَهُ وَ لِمَنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ، أَلاَ إِنَّهُمْ شَبَابٌ لاَ يَهْرَمُونَ، وَ أَصِحَّاءُ لاَ يَسْقُمُونَ، وَ أَغْنِيَاءُ لاَ يَفْتَقِرُونَ، وَ فَرِحُونَ لاَ يَحْزَنُونَ، وَ أَحْيَاءٌ لاَ يَمُوتُونَ» ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الاْيَةَ: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى»۴.
قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، وَ هَلْ يَتَكَلَّمُ الْقُرْآنُ؟
فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «رَحِمَ اللّهُ الضُّعَفَاءَ مِنْ شِيعَتِنَا؛ إِنَّهُمْ أَهْلُ تَسْلِيمٍ» ثُمَّ قَالَ: «نَعَمْ، يَا سَعْدُ، وَ الصَّلاَةُ تَتَكَلَّمُ، وَ لَهَا صُورَةٌ وَ خَلْقٌ، تَأْمُرُ وَ تَنْهى».
1.. شَحَب يَشحَب شُحُوبا ، أي تغيّر من سَفر ، أو هُزال ، أو عمل ، أو جوع . ترتيب كتاب العين ، ج ۲ ، ص ۸۲۹ .
2.. «النَّصب » : الإعياء والتَعب . ترتيب كتاب العين ، ج ۳ ، ص ۱۷۹۵ نصب .
3.. نَحَلْته أنْحَله نُحْلاً : مثل أعطيته شيئا من غير عوض بطيب نفسٍ . المصباح المنير ، ص ۵۹۵ نحل .
4.. الدخان ۴۴ : ۵۶ .