25
الكافي - المجلد الاول

وقد بلغ الأمر في العصر العبّاسي الأوّل أن ظهر من البيت الحاكم نفسه رجال ونساء عرفوا بالخلاعة والمجون والطرب والغناء، كإبراهيم بن المهدي المطرب العبّاسي الشهير ، والمغنّية الشهيرة عُلَيَّة بنت المهدي العبّاسي واُخت هارون اللارشيد . حتّى إذا ما أشرف عصرهم الأوّل على نهايته بالواثق (۲۲۷ ـ ۲۳۲ ه ) تفشّى الغناء والطرب والمجون بين أرباب الدولة.

ثالثا ـ مجيء الصبيان إلى الحكم:

۳. أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :
رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللّه‏ِ عليه ‏السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا الْعَقْلُ؟ قَالَ : « ۱ مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمنُ ، وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَانُ». قَالَ : قُلْتُ : فَالَّذِي ۲ كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ : «تِلْكَ النَّكْرَاءُ ۳ ، تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ» ۴ .

من آفات هذا العصر التي أدّت إلى انتكاسات سياسيّة خطيرة مجيء الصبيان إلى السلطة حتّى صاروا اُلعوبة بيد النساء والأتراك والوزراء والجند وغيرهم من رجال الدولة، نظير المقتدر باللّه‏ (۲۹۵ ـ ۳۲۰ ه ) الذي كان عمره يوم وُلي الخلافة ثلاث عشرة سنة ۵ ؛ ولهذا استصباه الوزير العبّاس بن الحسن حتّى صار اُلعوبة بيده ، وكان صبيّا سفيها، فرّق خزينة الدولة على حظاياه وأصحابه حتّى أنفدها ۶
.

رابعا ـ تدخّل النساء والخدم والجواري في السلطة:

يرجع تاريخ تدخّل النساء في شؤون الدولة العبّاسيّة إلى عصرها الأوّل، وتحديدا إلى زمان الخيزران زوجة المهدي العبّاسي (۱۵۸ ـ ۱۶۹ ه ) التي تدخّلت في شؤون دولته، واستولت على زمام الاُمور في عهد ابنه الهادي (۱۶۹ ـ ۱۷۰ ه ) ۷ ، وكذلك في هذا العصر حيث تدخّلت قبيحة اُمّ المعتزّ (۲۵۲ ـ ۲۵۵ ه ) في شؤون الدولة ۸ .
واستفحل أمر النساء والخدم في عهد المقتدر (۲۹۵ ـ ۳۲۰ ه )، قال ابن الطقطقي: «كانت دولته تدور اُمورها على تدبير النساء والخدم، وهو مشغول بلذّته، فخربت الدنيا في أيّامه، وخلت بيوت الأموال» ۹ .
وذكر مسكويه ما كان لقهرمانات البلاط العبّاسي من دور كبير في رسم سياسة الدولة ۱۰ .

1.. في «ألف» : + «العقل» .

2.. في «ج ، جه» وحاشية «ب ، بج ، بع» : «فما الذي» . وفي «بر ، بو» وحاشية «ض ، بع» : «ما الذي».

3.. في «ج» : «النكر» . و في الوافي :« تلك النكراء : هي الفطنة المجاوزة عن حدّ الاعتدال إلى الإفراط الباعثة لصاحبها على المكر و الحيل و الاستبداد بالرأي و طلب الفضول في الدنيا ،و يسمّى بالجربزة و الدهاء ». و في حاشية ميرزا رفيعا ،ص ۴۶ ، و مرآة العقول ، ج ۱ ، ص ۳۳ :« قوله عليه ‏السلام تلك النكراء ؛ يعني الدهاء والفطنة ، وهي جودة الرأي وحسن الفهم ، وإذا استُعملت في مشتهيات جنود الجهل يقال لها : الشيطنة . ونبّه عليه ‏السلام عليه بقوله : «تلك الشيطنة» بعد قوله : «تلك النكراء» . وراجع: القاموس المحيط ، ج۱ ، ص۶۷۵ (نكر) .

4.. المحاسن ، ص۱۹۵ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح۱۵ ؛ ومعاني الأخبار ، ص۲۳۹ ، ح۱ ، بسندهما عن محمّد بن عبد الجبّار ، مع اختلاف يسير الوافي ، ج۱ ، ص۷۹ ، ح۵ ؛ الوسائل ، ج۱۵ ، ص۲۰۵ ، ح۲۰۲۸۸ ؛ البحار ، ج۳۳ ، ص۱۷۰ ، ح۴۴۷. ولم يرد فيه : «وليست بالعقل».

5.تاريخ الطبري ، ج ۱۰ ، ص ۱۲۹.

6.البداية والنهاية ، ج ۱۱ ، ص ۱۱۹.

7.تاريخ الطبري ، ج ۶ ، ص ۴۲۱ ـ ۴۲۲؛ فتوح البلدان ، ج ۲ ، ص ۳۳۶.

8.تاريخ الطبري ، ج ۷ ، ص ۵۲۴، ۵۲۵، ۵۲۶، ۵۲۹، ۵۳۹، ۵۴۰.

9.الفخري في الآداب السلطانيّة ، ص ۲۶۲.

10.تجارب الاُمم ، ج ۱ ، ص ۴۴ .


الكافي - المجلد الاول
24

عاشها الكليني ببغداد، فلابدّ من إعطاء صورة واضحة للمؤثّرات السياسيّة والفكريّة التي أسهمت في تكوين رؤية الكليني للمجتمع الجديد وتساؤلاته التي حاول الإجابة عليها في كتابه الكافي، فنقول:
يرجع تدهور الحياة السياسيّة ببغداد في عصر الكليني إلى أسباب كثيرة أدّت إلى سقوط هيبة الدولة من أعين الناس، إليك أهمّها :

أوّلاً ـ نظام ولاية العهد:

۲. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ ۱ ، عَنِ الاْءَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ :
عَنْ عَلِيٍّ عليه ‏السلام ، قَالَ : «هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه ‏السلام عَلى آدَمَ عليه ‏السلام ، فَقَالَ : يَا آدَمُ ، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ ، فَاخْتَرْهَا وَ دَعِ اثْنَتَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ عليه ‏السلام : يَا جَبْرَئِيلُ ،

وهو نظام سياسي عقيم، وخلاصته: أن يعهد الخليفة بالخلافة لمن يأتي بعده مع أخذ البيعة له من الاُمّة كرها في حياته، وهو بهذه الصورة يمثّل قمّة الاستبداد وإلغاء دور الاُمّة وغمط الحقوق السياسيّة لجميع أفرادها .
وممّا زاد الطين بلّة في العصر العبّاسي الثاني إعطاء ولاية العهد لثلاثة، وهو ما فعله المتوكّل الذي قسّم الدولة على ثلاثة من أولاده، وهم: المنتصر، والمعتزّ، والمؤيّد ۲ ، ممّا فسح ـ بهذا ـ المجال أمامهم للتنافس ، ومحاولة كلّ واحد عزل الآخر من خلال جمع الأعوان والأنصار، بحيث أدّى ذلك في بعض الأحيان إلى معارك طاحنة كما حصل بين الأمين والمأمون.
وهذا النظام وإن انتهى بعد قتل المتوكّل، إلّا أنّ البديل كان أشدّ عقما؛ إذ صار أمر تعيين الخليفة منوطا بيد الأتراك لا بيد أهل الحلّ والعقد، مع التزامهم بعدم خروج السلطة عن سلالة العبّاسيّين وإن لم يكن فيهم رجل رشيد .

ثانيا ـ عبث الخلفاء العبّاسيّين ولهوهم وسوء سيرتهم:

ممّا أدّى إلى تفاقم الأوضاع في هذا العصر انشغال الخلفاء العبّاسيّين بالعبث واللهو، إلى حدّ الاستهتار بارتكاب المحرّمات علنا بلا حريجة من دين أو واعظ من ضمير.
وقد عُرِفَ عبثهم ومجونهم منذ عصرهم الأوّل، فالمنصور العبّاسي (۱۳۶ ـ ۱۵۸ه ) مثلاً كان في معاقرته الخمر يحتجب عن ندمائه؛ صونا لمركزه، في حين أعلن ولده المهدي (۱۵۸ ـ ۱۶۹ه ) ذلك، وأبى الاحتجاب عن الندماء بل شاركهم ۳ .

1.. في «ألف ، و ، بس» : «ظريف» . وهو سهو ؛ فإنّ سعدا هذا هو سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي . اُنظر : رجال النجاشي ، ص۱۷۸ ، الرقم ۴۶۸ ؛ رجال الطوسي ، ص۱۱۵ ، الرقم ۱۱۴۷ ؛ تهذيب الكمال ، ج۱۰ ، ص۲۷۱ ، الرقم۲۲۱۲ وما بهامشه من المصادر.

2.تاريخ اليعقوبي ، ج ۲ ، ص ۴۸۷؛ تاريخ الطبري ، ج ۹ ، ص ۱۷۶، في حوادث سنة ۲۳۵ ه .

3.تاريخ الخلفاء ، ص ۲۲۲ .

  • نام منبع :
    الكافي - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد حسين الدّرايتي، نعمة الله الجليلي، علي الحميداوي، السيّد علي‌رضا الحسيني، محمد رضا جديدي نژاد
    تعداد جلد :
    16
    ناشر :
    اتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5913
صفحه از 728
پرینت  ارسال به