وقد بلغ الأمر في العصر العبّاسي الأوّل أن ظهر من البيت الحاكم نفسه رجال ونساء عرفوا بالخلاعة والمجون والطرب والغناء، كإبراهيم بن المهدي المطرب العبّاسي الشهير ، والمغنّية الشهيرة عُلَيَّة بنت المهدي العبّاسي واُخت هارون اللارشيد . حتّى إذا ما أشرف عصرهم الأوّل على نهايته بالواثق (۲۲۷ ـ ۲۳۲ ه ) تفشّى الغناء والطرب والمجون بين أرباب الدولة.
ثالثا ـ مجيء الصبيان إلى الحكم:
۳. أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :
رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا الْعَقْلُ؟ قَالَ : « ۱ مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمنُ ، وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَانُ». قَالَ : قُلْتُ : فَالَّذِي ۲ كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ : «تِلْكَ النَّكْرَاءُ ۳ ، تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ» ۴ .
من آفات هذا العصر التي أدّت إلى انتكاسات سياسيّة خطيرة مجيء الصبيان إلى السلطة حتّى صاروا اُلعوبة بيد النساء والأتراك والوزراء والجند وغيرهم من رجال الدولة، نظير المقتدر باللّه (۲۹۵ ـ ۳۲۰ ه ) الذي كان عمره يوم وُلي الخلافة ثلاث عشرة سنة ۵ ؛ ولهذا استصباه الوزير العبّاس بن الحسن حتّى صار اُلعوبة بيده ، وكان صبيّا سفيها، فرّق خزينة الدولة على حظاياه وأصحابه حتّى أنفدها ۶
.
رابعا ـ تدخّل النساء والخدم والجواري في السلطة:
يرجع تاريخ تدخّل النساء في شؤون الدولة العبّاسيّة إلى عصرها الأوّل، وتحديدا إلى زمان الخيزران زوجة المهدي العبّاسي (۱۵۸ ـ ۱۶۹ ه ) التي تدخّلت في شؤون دولته، واستولت على زمام الاُمور في عهد ابنه الهادي (۱۶۹ ـ ۱۷۰ ه ) ۷ ، وكذلك في هذا العصر حيث تدخّلت قبيحة اُمّ المعتزّ (۲۵۲ ـ ۲۵۵ ه ) في شؤون الدولة ۸ .
واستفحل أمر النساء والخدم في عهد المقتدر (۲۹۵ ـ ۳۲۰ ه )، قال ابن الطقطقي: «كانت دولته تدور اُمورها على تدبير النساء والخدم، وهو مشغول بلذّته، فخربت الدنيا في أيّامه، وخلت بيوت الأموال» ۹ .
وذكر مسكويه ما كان لقهرمانات البلاط العبّاسي من دور كبير في رسم سياسة الدولة ۱۰ .
1.. في «ألف» : + «العقل» .
2.. في «ج ، جه» وحاشية «ب ، بج ، بع» : «فما الذي» . وفي «بر ، بو» وحاشية «ض ، بع» : «ما الذي».
3.. في «ج» : «النكر» . و في الوافي :« تلك النكراء : هي الفطنة المجاوزة عن حدّ الاعتدال إلى الإفراط الباعثة لصاحبها على المكر و الحيل و الاستبداد بالرأي و طلب الفضول في الدنيا ،و يسمّى بالجربزة و الدهاء ». و في حاشية ميرزا رفيعا ،ص ۴۶ ، و مرآة العقول ، ج ۱ ، ص ۳۳ :« قوله عليه السلام تلك النكراء ؛ يعني الدهاء والفطنة ، وهي جودة الرأي وحسن الفهم ، وإذا استُعملت في مشتهيات جنود الجهل يقال لها : الشيطنة . ونبّه عليه السلام عليه بقوله : «تلك الشيطنة» بعد قوله : «تلك النكراء» . وراجع: القاموس المحيط ، ج۱ ، ص۶۷۵ (نكر) .
4.. المحاسن ، ص۱۹۵ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح۱۵ ؛ ومعاني الأخبار ، ص۲۳۹ ، ح۱ ، بسندهما عن محمّد بن عبد الجبّار ، مع اختلاف يسير الوافي ، ج۱ ، ص۷۹ ، ح۵ ؛ الوسائل ، ج۱۵ ، ص۲۰۵ ، ح۲۰۲۸۸ ؛ البحار ، ج۳۳ ، ص۱۷۰ ، ح۴۴۷. ولم يرد فيه : «وليست بالعقل».
5.تاريخ الطبري ، ج ۱۰ ، ص ۱۲۹.
6.البداية والنهاية ، ج ۱۱ ، ص ۱۱۹.
7.تاريخ الطبري ، ج ۶ ، ص ۴۲۱ ـ ۴۲۲؛ فتوح البلدان ، ج ۲ ، ص ۳۳۶.
8.تاريخ الطبري ، ج ۷ ، ص ۵۲۴، ۵۲۵، ۵۲۶، ۵۲۹، ۵۳۹، ۵۴۰.
9.الفخري في الآداب السلطانيّة ، ص ۲۶۲.
10.تجارب الاُمم ، ج ۱ ، ص ۴۴ .