فكان الجو الغالب علی الأحادیث والفتاوی يتماشى مع آراء الحكّام واتّجاهاتهم، وأمّا الأئمّة المنتجبون من قبل الرسول صلی الله علیه و آله والذين غُلِبَعلى أمرهم فما كان يصدر منهم لا يمكن فهمه من دون معرفة هذا الظرف المحيط بهم.
و من هنا ذهب الفقيه الأعظم آية الله السيّد حسين البروجردي _ أعلى الله مقامه _ إلى أنّ فقه الشيعة _ أي فقه مدرسة أهل البيت علیهم السلام _ يعتبر حاشية وتعليقة علی فقه أهل السنّةو نقداً له.
و معنى هذه الكلمة وهذه النظرية الفقهية أنّ الأئمّة من أهل البيت علیهم السلام كانوا يعلّقون على فتاوى ونظريّات أهل السنّة _ المعاصرين لهم _ والمنبثقة من أحاديثهم خلال أكثر من قرنين من الزمن بعد رحيل الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله.
و قد بادر هذا الفقيه المعظّم إلى تدوين موسوعة حديثية تتولّى هذا الأمر المهمّ، وهو جمع التراث الحديثي لأهل السنّة وفقههم كي يتسنّى التعرّف على ما كان يحيط بحديث أهل البيت علیهم السلام من ظروف. ولكن هذه المبادرة لم تكتمل ولم تصل إلى عالم النور إلى يومنا هذا.
و بعد أن وفّقني الله تعالى إلى تأسيس مؤسسة دارالحديث العلمية الثقافية، التي اهتمّت بجمع وتصنيف وتدوين التراث الحديثي غير الفقهي، عزمت على تحقيق اُمنية هذا الفقيه الكبير وتطبيق نظريتة العلمية المهمّة في مجال الفقه الإسلامي الإمامي، فقرّرنا أن نجمع وندوّن التراث الحديثي والفقهي لعلماء إخواننا المعروفين بأهل السنّة؛ بغية توفير المادّة العلمية اللازمة للفقهاء ليتسنّى لهم الإحاطة بظروف صدور أحادیث أهل البيت علیهم السلام.
و لهذا قمنا بتجربة اُولى لتدوين «موسوعة الأحاديث الفقهية» فجمعنا في مؤسسة دارالحديث كلّ الأحاديث المرتبطة بـ «صلاة المسافر» عند الفريقين وصنّفنا كلّ الأقسام والفروع تصنيفاً يفوق أبواب وتفريعات «وسائل الشيعة» وقدّمنا نصوص أهل البيت علیهم السلام وأحادیثهم، ثمّ أردفناها بنصوص وأحاديث أهل السنّة الفقهية في خصوص هذا البحث، وعرضناها على مجموعة من الفقهاء والباحثين ومراجع التقليد المعاصرين، فحظيت باهتمام بالغ منهم، ولا سيما قائد الثورة الإسلامية المعظّم سماحة آية الله السيّد علي الخامنئي الحسيني دام ظله الوارف، فقدّم لنا مجموعة من الملاحظات المفيدة والقيّمة والتي دوّنها على هوامش النسخة المرسلة إليه.