وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك ، وقد اُثخِن بالحجارة ، وعجز عن القتال وانبهر ، فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار ، فدنا محمّد بن الأشعث فقال : لك الأمان .
فقال : آمنٌ أنا؟ قال : نعم ، وقال القوم : أنت آمن ، غير عمرو بن عبيد اللَّه بن العبّاس السلمى فإنّه قال : لا ناقةَ لي في هذا ولا جمل ، وتنحّى .
و قال ابن عقيل : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم . واُتي ببغلة فحمل عليها ، واجتمعوا حوله ، وانتزعوا سيفه من عنقه ، فكأنّه عند ذلك آيس من نفسه ، فدمعت عيناه ، ثمّ قال : هذا أوّل الغدر .
قال محمّد بن الأشعث : أرجو ألّا يكون عليك بأس .
قال : ما هو إلّا الرجاء ، أين أمانكم؟! إِنَّا للَّهِِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! وبكى .
فقال له عمرو بن عبيد اللَّه بن عبّاس : إنّ مَن يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبكِ!
قال : إنّي واللَّه ما لنفسي أبكي ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم اُحبّ لها طرفة عين تلفاً ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليَّ ، أبكي لحسين وآل حسين!
ثمّ أقبل على محمّد بن الأشعث فقال : يا عبداللَّه ، إنّي أراك واللَّه ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعثَ من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناً ، فإنّي لا أراه إلّا قد خرج إليكم اليوم مقبلاً ، أو هو خرج غداً هو وأهل بيته ، وأنّ ما ترى من جزعي لذلك ، ۱فيقول :
إنّ ابن عقيل بعثني إليك ، وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن تمشي حتّى تُقتل ، وهو يقول : ارجع بأهل بيتك ، ولا يغرّك أهلُ الكوفة ، فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبوني ، وليس لمكذّب رأي .