الخبر وجّه إليه أن سر إلى الحسين أوّلاً فاقتله ، فإذا قتلته رجعت ومضيت إلى الريّ ، فقال له : أعفني أيّها الأمير .
قال : قد أعفيتك من ذلك ، ومن الريّ .
قال : اتركني أنظر في أمري فتركه ، فلمّا كان من الغد غدا عليه فوجّه معه بالجيوش لقتال الحسين ، فلمّا قاربه وتواقفوا قام الحسين في أصحابه خطيباً فقال :
الّلهمّ إنّك تعلم أنّي لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت ۱خيراً من أهل بيتي ، فجزاكم اللَّه خيراً فقد آزرتم وعاونتم ، والقوم لا يريدون غيري ، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحداً ، فإذا جنّكم الليل فتفرّقوا في سواده ، وانجوا بأنفسكم .
فقام إليه العبّاس بن عليّ أخوه ، وعليّ ابنه ، وبنو عقيل ، فقالوا له : معاذ اللَّه والشهر الحرام ، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم! إنّا تركنا سيّدنا ، وابن سيّدنا وعمادنا! وتركناه غرضاً للنبل ، ودريئة للرماح ، وجزراً للسباع ، وفررنا عنه رغبة في الحياة!! معاذ اللَّه ، بل نحيا بحياتك ، ونموت معك .
فبكى وبكوا عليه ، وجزّاهم خيراً ، ثمّ نزل صلوات اللَّه عليه .
فحدّثني عبداللَّه بن زيدان البجلي ، قال : حدّثنا محمّد بن زيد التميمي ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن أبي مخنف عن الحرث بن كعب ، عن عليّ بن الحسين ، قال :
إنّي واللَّه لجالس مع أبي في تلك الليلة ، وأنا عليل ، وهو يعالج سهاماً له ، وبين يديه جون مولى أبي ذرّ الغفاري ، إذ ارتجز الحسين :
يا دَهرُ اُفٍّ لَكَ مِن خَليلٍكَم لَكَ في الإِشراقِ والأصيلِ
مِن صاحِبٍ وماجدٍ قَتيلِو الدَهرُ لا يَقنَعُ بالبَديلِ
و الأَمرُ في ذاكَ إلى الجَليلِو كُلُّ حيٍّ سالِكُ السبيلِ
قال : وأمّا أنا فسمعته ورددت عبرتي ، وأمّا عمّتي فسمعته دون النساء فلزمتها