فقال له ابن عبّاس : أمّا إذا كنت لابدّ فاعلاً فلا تخرج أحداً من ولدك ، ولا حرمك ولا نسائك ، فخليق أن تقتل وهم ينظرون إليك كما قتل ابن عفّان . فأبى ذلك ولم يقبله .
قال : فذكر من حضره يوم قتل وهو يلتفت إلى حرمه وإخوته وهن يخرجن من أخبيتهنّ جزعاً لقتل من يقتل معه وما يرينه به ، ويقول : للَّه درّ ابن عبّاس فيما أشار عليَّ به .
قال : فلمّا أبى الحسين قبول رأي ابن عبّاس ، قال له : واللَّه ، لو أعلم أنّي إذا تشبّثت بك وقبضت على مجامع ثوبك ، وأدخلت يدي في شعرك حتّى يجتمع الناس عليَّ وعليك ، كان ذلك نافعي لفعلته ، ولكن أعلم أنّ اللَّه بالغ أمره ،۱ثمّ أرسل عينيه فبكى ، وودّع الحسين ، وانصرف .
و مضى الحسين لوجهه ، ولقي ابن عبّاس بعد خروجه عبداللَّه بن الزبير فقال له :
يا لَكِ مِن قُبّرَةٍ بمعمرخَلا لَكِ الجوُّ فَبيضي واصفري
و نَقّري ما شِئت أَن تُنقّريهذا الحُسَينُ خارجاً فاستبشري
فقال : قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز .
قال أبو مخنف في حديثه خاصّة عن رجاله : إنّ عبيد اللَّه بن زياد وجّه الحرّ بن يزيد ليأخذ الطريق على الحسين ، فلمّا صار في بعض الطريق لقيه أعرابيّان من بني أسد ، فسألهما عن الخبر ، فقالا له : يا ابن رسول اللَّه ، إنّ قلوب الناس معك ، وسيوفهم عليك ، فارجع ، وأخبراه بقتل ابن عقيل وأصحابه .
فاسترجع الحسين ، فقال له بنو عقيل : لا نرجع واللَّه أبداً أو ندرك ثأرنا أو نقتل بأجمعنا ، فقال لمن كان لحق به من الأعراب : من كان منكم يريد الإنصراف عنّا فهو في حلّ من بيعتنا .
فانصرفوا عنه ، وبقي في أهل بيته ، ونفر من أصحابه .