القصر رأى قلّة مبرّدة موضوعة على الباب ، فقال : اسقوني من هذا الماء . فقال له مسلم بن عمر وأبو قتيبة بن مسلم الباهلي : أتراها ما أبردها؟ فو اللَّه ، لا تذوق منها قطرة واحدة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم!
فقال له مسلم بن عقيل : ويلك! ولاُمّك الثكل ، ما أجفاك ۱وأفظّك! وأقسى قلبك! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم ، والخلود في نار جهنّم ، ثمّ جلس وتساند إلى الحائط .
قال أبو مخنف : فحدّثني أبو قدامة بن سعد : أنّ عمرو بن حريث بعث غلاماً له يدعى سليماً ، فأتاه بماء في قلّة فسقاه .
قال : وحدّثني مدرك بن عمارة : أنّ عمارة بن عقبة بعث غلاماً يدعى نسيماً ، فأتاه بماء في قلّة عليها منديل وقدح معه ، فصب فيه الماء ، ثمّ سقاه ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً ، فأخذ لا يشرب من كثرة الدم ، فلمّا ملأ القدح ثانية ذهب يشرب ، فسقطت ثنيتاه في القدح ، فقال : الحمد للَّه ، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته .
قال : ثمّ اُدخل على عبيد اللَّه بن زياد (لعنه اللَّه) فلم يسلّم عليه ، فقال له الحرس : ألا تسلّم على الأمير؟
فقال : إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه؟! وإن كان لا يريد قتلي فليكثرنّ سلامي عليه .
فقال له عبيد اللَّه (لعنه اللَّه) : لتقتلنّ .
قال : أكذلك؟ قال : نعم . قال : دعني إذاً اُوصي إلى بعض القوم . قال : أوص إلى من أحببت .
فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد ، وفيهم عمر بن سعد ، فقال : يا عمر ، إنّ بيني و بينك قرابة دون هؤلاء ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب عليك لقرابتي