رجل صلّى العتمة إلّا في المسجد ، فاجتمع الناس في ساعة ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد؛ فإنّ ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمّة اللَّه من رجل وجد في داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتّقوا اللَّه عباد اللَّه ، والزموا طاعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً . يا حصين بن تميم ، ثكلتك اُمّك إن ضاع شيء من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به! وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة ، فابعث مراصدة على أفواه السكك ، وأصبح غداً فاستبرء الدور حتّى تأتي بهذا الرجل ، ثمّ نزل .
فلمّا أصبح أذن للناس ، فدخلوا عليه ، وأقبل محمّد بن الأشعث ، فقال : مرحباً بمن لا يتّهم ولا يستغشّ ، وأقعده إلى جنبه .
وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل ، فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، فأخبره بمكان ابن عقيل عند اُمّه ، فأقبل عبد الرحمن حتّى أتى إلى ۱أبيه وهو جالس ، فسارّه ، فقال له ابن زياد : ما قال لك؟ قال : أخبرني أنّ ابن عقيل في دار من دورنا ، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ، ثمّ قال : قم فأتني به الساعة .
قال أبو مخنف : فحدّثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي : أنّ ابن زياد بعث مع ابن الأشعث ستّين أو سبعين رجلاً كلّهم من قيس ، عليهم عمرو بن عبيد اللَّه بن العبّاس السلمي حتّى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل ، فلمّا سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال ، عرف أنّه قد اُتي ، فخرج إليهم بسيفه ، فاقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم كذلك ، فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح وظهروا فوقه ، فأخذوا يرمونه بالحجارة! ويلهبون النيران في أطنان القصب ، ثمّ يقذفونها عليه من فوق السطوح!
فلمّا رأى ذلك قال : أ كلّما أرى من الإجلاب لقتل ابن عقيل؟ يا نفس ، اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص ، فخرج رضوان اللَّه عليه مصلتاً سيفه إلى السكّة ، فقاتلهم ، فأقبل عليه محمّد بن الأشعث ، فقال : يا فتى ، لك الأمان ، لا تقتل نفسك .