415
موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)

فآه ثمّ آه ، لو كنت مَخطَأ لتلك الأجساد ومحطّاً لنفوس اُولئك الأجواد ، لبذلت في حفظها غاية المجهود ، ووفيت لها بقديم العهود ، وقضيت له بعض الحقوق الأوائل ، ووقيتها جهدي من وقع تلك الجنادل وخدمتها خدمة العبد المطيع ، وبذلت لها جهد المستطيع ، وفرشت لتلك الخدود والأوصال فراش الإكرام والإجلال ، وكنت أبلغ منيتي من اعتناقها ، وأنور ظلمتي بإشراقها .

فيا شوقاه إلى تلك الأماني! ويا قلقاه لغيبة أهلي وسكّاني! فكلّ حنين يقصر عن حنيني ، وكلّ دواء غيرهم لا يشفيني ، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب ۱الأحزان ، وأنست من بعدهم بجلباب الأشجان ، ويئست أن يلمّ بي التجلّد والصبر ، وقلت : يا سلوة الأيّام موعدك الحشر .

ولقد أحسن ابن قتّة (رحمة اللَّه عليه) ، وقد بكى على المنازل المشار إليها ، فقال :

مَرَرتُ عَلى أَبياتِ آلِ مُحَمَّدٍفَلَم أَرَها أَمثالَها يَومَ حَلَّتِ‏
فَلا يُبعِدُ اللَّهُ الدِيارَ وأهلَهاوَإِن أَصبَحَت مِنهُمُ بِرَغمي تَخَلَّتِ‏
أَلا إنَّ قَتلى الطَفِّ مِن آلِ هاشِمٍ‏أَذَلَّتْ رِقابَ المُسلِمينَ فَذَلَّتِ‏
وَكانوا غِياثاً ثُمّ أَضحوا رَزِيّةًلَقَد عَظُمَت تَلكَ الرزايا وَجَلَّتِ‏
أَلم تَرَ أَنَّ الشَمسَ أَضحَت مَريضَةًلِفَقدِ حُسَينٍ والبِلادِ اقشَعَرَّتِ‏
فاسلك أيّها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حملة الكتاب .

فقد روي عن مولانا زين العابدين عليه السلام - وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه - أنّه كان كثير البكاء لتلك البلوى ، عظيم البثّ والشكوى .

فروي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : إنّ زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة ، صائماً نهاره قائماً ليله ، فإذا حضره الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه ، فيضعه بين يديه ، فيقول : كُلْ يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول اللَّه جائعاً ، قتل ابن رسول اللَّه عطشاناً ، فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتّى يبل طعامه من دموعه ، ۲ويمتزج شرابه

1.۲۳۲

2.۲۳۳


موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)
414

وكم أصبحت بهم أتشرّف على المنازل والقصور ، وأميس في ثوب الجذل والسرور؟ وكم أعاشوا في شعابي من أموات الدهور ، وكم انتاشوا على أعتابي من رفات المحذور؟
فقصدني فيهم سهم الحمام ، وحسدني عليهم حكم الأيّام ، فأصبحوا غرباء بين الأعداء ، وغرضاً لسهام الاعتداء ، وأصبحت المكارم تقطع بقطع أناملهم ، والمناقب تشكو لفقد شمائلهم ، والمحاسن تزول بزوال أعضائهم ، والأحكام تنوح لوحشة أرجائهم .

فياللَّه من ورع اُريق دمه في تلك الحروب ، وكمال نكس علمه بتلك الخطوب!
ولئن عدمت مساعدة أهل المعقول ، وخذلني عند المصاب جهل العقول ، فإنّ لي مسعداً من السنن الدارسة والأعلام الطامسة ، فإنّها تندب كندبي وتجد مثل وجدي وكربي .

فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات ، ويحنّ إليهم إنسان ۱الخلوات ، وتشتاقهم طويّة المكارم ، وترتاح إليهم أندية الأكارم ، وتبكيهم محاريب المساجد ، وتناديهم ميازيب الفوائد ، لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة ، وعرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشاملة .

بل ، لو رأيتم وجدي وانكساري وخلوّ مجالسي وآثاري ، لرأيتم ما يوجع قلب الصبور ويهيج أحزان الصدور ، ولقد شمت بي من كان يحسدني من الديار ، وظفرت بي أكفّ الأخطار .
فيا شوقاه إلى منزل سكنوه ، ومنهل أقاموا عنده واستوطنوه ، ليتني كنت إنساناً أقيهم حزّ السيوف ، وأدفع عنهم حرّ الحتوف ، وأحول بينهم وبين أهل الشن‏آن ، وأردّ عنهم سهام العدوان .

وهلّا إذ فاتني شرف تلك المواساة الواجبة ، كنت محلاًّ لضمّ جسومهم الشاحبة ، وأهلاً لحفظ شمائلهم من البلاء ، ومصوناً من روعة هذا الهجر والقلاء .

1.۲۳۱

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/08/1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6012
صفحه از 512
پرینت  ارسال به