413
موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)

أيّها الناس ، أصبحنا مطرودين ، مشرّدين مذودين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين ، إن هذا إلّا اختلاق .

واللَّه ، لو أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ۱زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا للَّه وأنّا إليه راجعون! من مصيبة ما أعظمها وأوجعها ، وأفجعها وأكظّها ، وأفظعها وأمرّها وأفدحها!! فعند اللَّه نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا ، إنّه عزيز ذو انتقام .

قال الراوي : فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان - وكان زمناً - فاعتذر إليه صلوات اللَّه عليه بما عنده من زمانة رجليه ، فأجابه بقبول معذرته وحسن الظنّ به ، وشكر له وترحّم على أبيه .

قال عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس جامع هذا الكتاب : ثمّ إنّه صلوات اللَّه عليه رحل إلى المدينة بأهله وعياله ، نظر إلى منازل قومه ورجاله ، فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها ، وتبوح بإعلان الدموع وإرسالها ، لفقد حماتها ورجالها ، وتندب عليهم ندب الثواكل ، وتسأل عنهم أهل المناهل ، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه ، وتنادي لأجلهم : وا ثكلاه! وتقول :

يا قوم ، أعينوني على النياحة والعويل ، وساعدوني على المصاب الجليل ، فإنّ القوم الذين أندب لفراقهم وأحنّ إلى كرم أخلاقهم ، كانوا سمار ليلي ونهاري ، وأنوار ظلمي وأسحاري ، وأطناب شرفي وافتخاري ، وأسباب قوّتي وانتصاري ، والخلف من شموسي وأقماري .

۲كم ليلة شرّدوا بإكرامهم وحشتي ، وشيّدوا بإنعامهم حرمتي ، وأسمعوني مناجاة أسحارهم ، وأمتعوني بإيداع أسرارهم؟! وكم يوم عمّروا ربعي بمحافلهم ، وعطّروا طبعي بفضائلهم ، وأورقوا عودي بماء عهودهم ، وأذهبوا نحوسي بنماء سعودهم؟! وكم غرسوا لي من المناقب ، وحرسوا محلّي من النوائب؟

1.۲۲۹

2.۲۳۰


موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)
412

قلت : أنا بشير بن حذلم وجّهني مولاي عليّ بن الحسين ، وهو نازل موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام ونسائه .
قال : فتركوني مكاني وبادروا ، فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس ، حتّى قربت من باب الفسطاط ، وكان عليّ بن الحسين عليه السلام داخلاً ، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي ، فوضعه له وجلس عليه ، وهو لا يتمالك من العبرة ، فارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، وحنين الجواري والنساء ، والناس من كلّ ناحية يعزّونه ، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة . فأومأ بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم .

فقال عليه السلام : الحمد للَّه ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السموات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الاُمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفواجع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة ، الكاظّة الفادحة الجائحة .

۱أيّها القوم ، إنّ اللَّه تعالى - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة : قتل أبو عبداللَّه صلى اللّه عليه و آله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان ، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة .
أيّها الناس ، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟! أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها؟!

فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسموات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقرّبون وأهل السموات أجمعون!!!
أيّها الناس ، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصمّ؟!

1.۲۲۸

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/08/1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6049
صفحه از 512
پرینت  ارسال به