أيّها الناس ، أصبحنا مطرودين ، مشرّدين مذودين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين ، إن هذا إلّا اختلاق .
واللَّه ، لو أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ۱زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا للَّه وأنّا إليه راجعون! من مصيبة ما أعظمها وأوجعها ، وأفجعها وأكظّها ، وأفظعها وأمرّها وأفدحها!! فعند اللَّه نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا ، إنّه عزيز ذو انتقام .
قال الراوي : فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان - وكان زمناً - فاعتذر إليه صلوات اللَّه عليه بما عنده من زمانة رجليه ، فأجابه بقبول معذرته وحسن الظنّ به ، وشكر له وترحّم على أبيه .
قال عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس جامع هذا الكتاب : ثمّ إنّه صلوات اللَّه عليه رحل إلى المدينة بأهله وعياله ، نظر إلى منازل قومه ورجاله ، فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها ، وتبوح بإعلان الدموع وإرسالها ، لفقد حماتها ورجالها ، وتندب عليهم ندب الثواكل ، وتسأل عنهم أهل المناهل ، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه ، وتنادي لأجلهم : وا ثكلاه! وتقول :
يا قوم ، أعينوني على النياحة والعويل ، وساعدوني على المصاب الجليل ، فإنّ القوم الذين أندب لفراقهم وأحنّ إلى كرم أخلاقهم ، كانوا سمار ليلي ونهاري ، وأنوار ظلمي وأسحاري ، وأطناب شرفي وافتخاري ، وأسباب قوّتي وانتصاري ، والخلف من شموسي وأقماري .
۲كم ليلة شرّدوا بإكرامهم وحشتي ، وشيّدوا بإنعامهم حرمتي ، وأسمعوني مناجاة أسحارهم ، وأمتعوني بإيداع أسرارهم؟! وكم يوم عمّروا ربعي بمحافلهم ، وعطّروا طبعي بفضائلهم ، وأورقوا عودي بماء عهودهم ، وأذهبوا نحوسي بنماء سعودهم؟! وكم غرسوا لي من المناقب ، وحرسوا محلّي من النوائب؟