بفيك أيّها القائل الكَثَكثُ والأَثلَبُ ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللَّه وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فاكظم واقعِ كما أقعى أبوك ، فإنّما لكلّ امرء ما اكتسب وما قدّمت يداه ، أحسدتمونا - ويلاً لكم - على ما فضلنا اللَّه؟!
شعر :
فَما ذَنبُنا أن جاشَ دَهراً بُحورُناوبَحرُك ساجٍ لا يُواري الدَّعامِصا
ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء ، واللَّه ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل اللَّه له نوراً فما له من نور .
قال : وارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يابنت الطيّبين ، فقد أحرقتِ قلوبَنا ، وأنضحتِ نحورنا ، وأضرمتِ أجوافنا ، فسكتت .
۱قال : وخطبت اُمّ كلثوم ابنة عليّ عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
يا أهل الكوفة ، سوءاً لكم! مالكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتبّاً لكم وسحقاً .
ويلكم! أتدرون أيّ دواه دهتكم؟ وأيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتموها؟ وأيّ كريمة اهتضمتموها؟ وأيّ صبية سلبتموها؟ وأيّ أموال نهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب اللَّه هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون .
ثمّ قالت :
قَتَلتُم أَخي صَبراً فَوَيلٌ لأُمِّكُمُسَتُجزون ناراً حَرُّها يَتَوَقَّدُ
سَفَكتُم دِماءً حَرَّمَ اللَّهُ سَفكَهاوحَرَّمَها القُرآنُ ثُمَّ مُحمَّدُ
أَلا فابشِروا بالنارِ إنَّكُم غَداًلَفي قَعرِ نارٍ حَرُّها يَتَصَعَّدُ
وإِنّي لأَبكي في حَياتي عَلى أخيعَلى خَيرِ مَن بَعدَ النبِيِّ سَيولَدُ
بِدَمعٍ غَزيرٍ مُستَهَلٍّ مُكَفكَفٍعلى الخَدِّ منّي دائبٌ لَيس يَحمَدُ
قال الراوي : فضجَّ الناس بالبكاء والنحيب والنوح ، ونشر النساء ۲شعورهنّ ، وحثين الترابَ على رؤوسهنّ ، وخمشن وجوههنّ ، ولطمن خدودهنّ ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم ، فلم يُرَ باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم .