379
موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)

قال : ولمّا رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبّته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى : هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللَّه؟ هل من موحّدٍ يخاف اللَّه فينا؟ هل من مغيثٍ يرجو اللَّه بإغاثتنا؟ هل من معينٍ يرجو ما عند اللَّه في إعانتنا؟ .

فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب : ناوليني ولدي الصغير حتّى اُودّعه ، فأخذه وأومأ إليه ليقبّله ، فرماه ۱حرملة بن الكاهل بسهم ، فوقع في نحره فذبحه ، فقال لزينب : خذيه . ثمّ تلقّى الدم بكفّيه حتّى امتلأتا ، ورمى بالدم نحو السماء وقال : هوّن عليَّ ما نزل بي ، إنّه بعين اللَّه .

قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض .
وروي من طرق اُخرى ، وهي أقرب إلى العقل؛ لأنّ الحال ما كان وقت توديع للصبيّ؛ لاشتغالهم بالحرب والقتل ، وإنّما زينب اُخته عليها السلام أخرجت الصبيّ وقالت : يا أخي ، هذا ولدك له ثلاثة أيّام ما ذاق الماء ، فاطلب له شربة ماء ، فأخذه على يده وقال : يا قوم ، قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي ، وقد بقي هذا الطفل يتلظّى عطشاً ، فاسقوه شربةً من الماء ، فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه . فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره .

۲قال الراوي : واشتدّ العطش بالحسين عليه السلام ، فركب المسنّاة يريد الفرات ، والعبّاس أخوه بين يديه ، فاعترضتهما خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهمٍ فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع (صلوات اللَّه عليه) السهم وبسط يده تحت حنكه حتّى امتلأت راحتاه من الدم ، ثمّ رمى به وقال : اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك .

ثمّ اقتطعوا العبّاس عنه ، وأحاطوا به من كلّ جانب ومكان ، حتّى قتلوه (قدّس اللَّه روحه) فبكى الحسين عليه السلام بكاءً شديداً . وفي ذلك يقول الشاعر :

أَحقُّ الناسُ أَن يُبكى عَلَيه‏فَتىً أَبكى الحُسَينَ بِكَربَلاء
أَخوه وابنُ والدِهِ عليٍ‏أبو الفَضل المضرَّجِ بالدِماء
وَمَن واساه لا يَثنيه شَي‏ءٌوجادَ لَه على عَطَشٍ بِماء

قال الراوي : ثمّ إنّ الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ مَن برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة ، وهو في ذلك يقول :

القَتلُ أَولى مِن ركوبِ العارِوالعارُ أولى مِن دخولِ النار
قال بعض الرواة : واللَّه ، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولدُهُ وأهلُ بيته وأصحابُهُ أربط جأشاً منه ، وأنّ الرجال كانت لتشدّ عليه فيشدّ عليها ۳بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم .

قال الراوي : ولم يزل يقاتلهم حتّى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : ويحكم! يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون . قال : فناداه شمر : ما تقول يابن فاطمة؟
قال : أقول : أنا الذي اُقتاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا أعتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً . فقال شمر : لك ذلك يا بن فاطمة .

وقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو مع ذلك ۴يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتّى أصابه اثنتان وسبعون جراحة .

فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر ، فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدمَ عن جبهته ، فأتاه سهمٌ مسمومٌ له ثلاثُ شعبٍ ، فوقع على قلبه ، فقال عليه السلام : بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملّة رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابنُ بنت نبيّ غيره .

1.۱۶۹

2.۱۷۰

3.۱۷۱

4.۱۷۲


موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)
378

أسرع ما تلقى جدّك محمّداً صلى اللّه عليه و آله ، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظمأ بعدها .

۱فرجع إلى موقف النزال ، وقاتل أعظم القتال ، فرماه منقذ بن مرّة العبدي بسهمٍ فصرعه ، فنادى : يا أبتاه ، عليك منّي السلام ، هذا جدّي يقرؤك السلام ويقول لك : عجّل القدوم علينا ، ثمّ شهق شهقة فمات .

فجاء الحسين عليه السلام حتّى وقف عليه ، ووضع خدّه على خدّه وقال : قتل اللَّه قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على اللَّه وعلى انتهاك حرمة رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، على الدنيا بعدك العفاء .

قال الراوي : وخرجت زينب ابنة عليّ تنادي : يا حبيباه! يا بن أخاه! وجاءت فأكبّت عليه . فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردّها إلى النساء .

ثمّ جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل ، حتّى قتل القوم منهم جماعة ، فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال : صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي صبراً ، فواللَّه ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً .

قال الراوي : وخرج غلام كأنّ وجهه شقّة قمر ، فجعل يقاتل ، ۲فضربه ابن فضيل الأزدي على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عمّاه! فجلى الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر ، وشدّ شدّة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتّقاها بساعده فأطنّها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، فحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتّى هلك .

قال : وانجلت الغبرة ، فرأيت الحسين عليه السلام قائماً على رأس الغلام ، وهو يفحص برجله ، والحسين عليه السلام يقول : بعداً لقومٍ قتلوك ، ومَن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك . ثمّ قال : عزّ واللَّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوته ، هذا يوم واللَّه كثر واتره وقلّ ناصره .

ثمّ حمل الغلام على صدره حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته .

1.۱۶۷

2.۱۶۸

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسین علیه السّلام فی الکتاب و السّنّة و التّاریخ (المقاتل)
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/08/1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6182
صفحه از 512
پرینت  ارسال به