ثمّ بات عليه السلام في الموضع ، فلمّا أصبح ، فإذا هو برجلٍ من أهل الكوفة يكنّى أبا هرّة الأزدي ، فلمّا أتاه سلّم عليه ، ثمّ قال : يابن رسول اللَّه ، ما الذي أخرجك من حرم اللَّه وحرم جدّك رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ؟
فقال الحسين عليه السلام : ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم اللَّه ، لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم اللَّه ذلاًّ شاملاً وسيفاً قاطعاً ، وليسلطنّ اللَّه عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ؛ إذ ملكتهم امرأة منهم ، فحكمت في أموالهم ودمائهم حتّى أذلّتهم .
ثمّ سار . وحدّث جماعة من بني فزارة وبجيلة ، قالوا : كنّا مع زهير بن القين لمّا أقبلنا من مكّة ، فكنّا نساير الحسين عليه السلام ، وما شيء أكره إلينا من مسايرته؛ لأنّ معه نسوانه ، فكان إذا أراد النزول اعتزلناه ، فنزلنا ناحية ، ۱فلمّا كان في بعض الأيّام نزل في مكان ، فلم نجد بدّاً من أن ننازله فيه ، فبينما نحن نتغدّى بطعام لنا إذا أقبل رسول الحسين عليه السلام حتّى سلّم علينا ، ثمّ قال : يا زهير بن القين ، إنّ أبا عبداللَّه صلى اللّه عليه و آله بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده حتّى كأنّما على رؤوسنا الطير .
فقالت له زوجته - وهي ديلم بنت عمرو - : سبحان اللَّه! أيبعث إليك ابن رسول اللَّه ثمّ لا تأتيه؟! فلو أتيته فسمعت من كلامه .
فمضى إليه زهير ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوّض ، وبثقله ومتاعه فحوّل إلى الحسين عليه السلام ، وقال لامرأته : أنتِ طالق ، فإنّي لا اُحبّ أن يصيبكِ بسببي إلّا خير ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ، ثمّ أعطاها مالها وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها ، فقامت إليه وودّعته وبكت ، وقالت : خار اللَّه لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام .
ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يصحبني ، وإلّا فهو آخر العهد منّي به .
۲ثمّ سار الحسين عليه السلام حتّى بلغ زبالة ، فأتاه فيها خبر مسلم بن عقيل ، فعرف