۱فقال ابن زياد : أتظنّ أنّ لك من الأمر شيئاً؟ فقال مسلم : واللَّه ، ما هو الظنّ ، ولكنّه اليقين .
فقال ابن زياد : أخبرني يا مسلم ، لِمَ أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئمٌ فشتّت أمرهم بينهم وفرّقت كلمتهم؟
فقال له مسلم : ما لهذا أتيت ، ولكنّكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف ، وتأمّرتم على الناس بغير رضىً منهم ، وحملتموهم على غير ما أمركم به اللَّه ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر ، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنّة ، وكنّا أهل ذلك ، كما أمر رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله .
فجعل ابن زياد (لعنه اللَّه) يشتمه ويشتم عليّاً والحسن والحسين ، فقال له مسلم : أنت وأبوك أحقّ بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدوّ اللَّه .
فأمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به إلى أعلا القصر فيقتله ، فصعد به - وهو يسبّح اللَّه تعالى ويستغفره ويصلّي على نبيّه صلي اللَّه عليه وآله - فضرب عنقه ، ونزل وهو مذعور .
فقال له ابن زياد : ما شأنك؟ فقال : أيّها الأمير ، رأيت ساعة قتله رجلاً أسوداً شنيء الوجه حذاي ، عاضّاً على إصبعه أو قال شفتيه ففزعت فزعاً لم أفزعه قطّ .
فقال ابن زياد : لعلّك دُهشت .
ثمّ أمر بهانىء بن عروة ، فاُخرج ليقتل ، فجعل يقول : وامذحجاه! وأين منّي ۲مذحج؟! واعشيرتاه! وأين منّي عشيرتي؟! فقالوا له : يا هانىء ، مُدّ عنقك .
فقال : واللَّه ، ما أنا بها سخيّ ، وما كنت لأعينكم على نفسي . فضربه غلام لعبيد اللَّه بن زياد يقال له رشيد ، فقتله .
وفي قتل مسلم وهانىء يقول عبداللَّه بن زبير الأسدي ، ويقال : إنّه للفرزدق :
فَإِن كُنتِ لا تَدرِينَ ما الموتُ فانظُريإلى هانِىءٍ في السوقِ وابنِ عَقيلِ
إلى بَطَلٍ قَد هَشَّمَ السَيفُ وَجهَهُوآخرُ يَهوِي مِن جِدار قَتيلِ
أصابَهما جَورُ البَغي فَأَصبَحاأَحاديثَ مَن يَسعى بِكُلِّ سَبيلِ
تَرى جَسَداً قد غَيّرَ المَوتُ لَونَهُونَضحَ دمٍ قَد سالَ كُلّ مَسيلِ
فَتىً كان أَحيى مِن فَتاةٍ حَيِيَّةٍوأقطَعُ مِن ذي شَفرَتَينِ صَقيلِ
أيَركَبُ أسما الهماليجَ آمِناًوَقَد طَلَبَتَهُ مَذحِجٌ بِذُحولِ
تَطوفُ حَوالَيهِ مُرادٌ وكُلُّهُمُعَلى اُهبةٍ مِن سائِلٍ ومَسولِ
۳فَإِن أَنتُمُ لَم تَثأَروا بِأَخيكُمُفَكونوا بَغايا اُرضيَت بِقَليلٍ
قال الراوي : وكتب عبيداللَّه بن زياد بخبر مسلم وهانىء إلى يزيد بن معاوية ، فأعاد عليه الجواب يشكره فيه على فعاله وسطوته ، ويعرّفه أن قد بلغه توجّه الحسين عليه السلام إلى جهته ، ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة والانتقام والحبس على الظنون والأوهام .