وجعل يحارب أصحاب عبيداللَّه ، ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه محمّد بن الأشعث : يا مسلم ، لك الأمان .
فقال له مسلم : وأيّ أمان للغدرة الفجرة؟! ثمّ أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن حيث يقول :
أَقسَمتُ لا اُقتلُ إلّا حُرّاوَإِن رَأيتُ المَوتَ شَيئاً نُكرا
أَكرَهُ أن اُخدَع أو اُغرّاأو أخلط البارد سخناً مُرا
كُلُّ امرىءٍ يوماً يلاقي شرّاأَضرِبُكُم ولا أَخافُ ضرّا
فقالوا له : إنّك لا تُخدع ولا تغرّ ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد أن اُثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض ، فاُخذ أسيراً .
فلمّا اُدخل على عبيداللَّه بن زياد لم يسلّم عليه ، فقال له الحرسي : سلّم على الأمير .۱فقال له : اسكت يا ويحك! واللَّه ، ما هو لي بأمير .
فقال ابن زياد : لا عليك سلّمت أم لم تسلّم ، فإنّك مقتول .
فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ منّي ، وبعد فإنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة ، لا أحد أولى بها منك .
فقال له ابن زياد : يا عاقّ يا شاقّ! خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين ، وألقحت الفتنة بينهم!
فقال له مسلم : كذبت يابن زياد ، إنّما شقّ عصى المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، وأنا أرجوا أن يرزقني اللَّه الشهادة على يدي أشرّ البرّية .
فقال ابن زياد : منّتك نفسك أمراً حال اللَّه دونه ، ولم يرك له أهلاً ، وجعله لأهله . فقال مسلم : ومَن أهله يابن مرجانة؟ فقال : أهله يزيد بن معاوية!
فقال مسلم : الحمد اللَّه ، رضينا باللَّه حكماً بيننا وبينكم .