الناس ، أنا ابن مكّة ومنى وزمزم والصفا ، أنا ابن خير من حجّ وطاف وسعى ولبّى ، أنا ابن خير من حَمَلَ البراقُ ، أنا ابن من اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن مَن بلغ به جبريل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلّى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء!
قال : فلم يزل يعيد ذلك حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب .
قال : وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن فقال : اقطع عنّا هذا الكلام! قال : فلمّا سمع المؤذن قال : اللَّه أكبر ، قال الغلام : لا شيء أكبر من اللَّه .
فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، قال الغلام : يشهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي .
فلمّا قال المؤذن : أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه ، التفت عليّ بن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد فقال : محمّد هذا جدّي أم جدك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنّه جدّي فَلِمَ قتلت عترته؟
قال : فلمّا فرغ المؤذّن من الأذان والإقامة تقدّم يزيد يصلّي بالناس صلاة الظهر ، فلمّا فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته (رضوان اللَّه عليهم) ، ففرّغ لهم داراً فنزلوها وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين رضى اللَّه عنه .
قال : وخرج عليّ بن الحسين ذات يوم ، فجعل يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو الصابئ فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول اللَّه؟
قال : أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، يا منهال! أمست العرب تفتخر على العجم لأنّ محمّداً منهم ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها ، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون ، مقهورون مقتّلون ، مثبورون مطرودون ، فإِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ على ما أمسينا فيه يا منهال .