فقال الحبر : يا سبحان اللَّه! هذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة! بئس ما خلّفتموه في ذرّيته ، واللَّه ، لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون اللَّه! وأنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس ، فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه ، سوءةً لكم من اُمّة!
قال : فأمر يزيد بكرّ في حلقه ، فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرّروني ، فإنّي أجد في التوراة أنّه من قتل ذرّية نبيّ لا يزال مغلوباً أبداً ما بقي ، فإذا مات يصليه اللَّه نار جهنّم .
قال : ثمّ دعا يزيد بالخاطب وأمر بالمنبر فاُحضر ، ثمّ أمر الخاطب فقال : اصعد المنبر فخبّر الناس بمساوئ الحسين وعليّ وما فعلا!
قال : فصعد الخاطب المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثمّ أكثر الوقيعة في عليّ والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد ، فذكرهما بكلّ جميل .
قال : فصاح عليّ بن الحسين : ويلك أيّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فانظر مقعدك من النار . ثمّ قال عليّ بن الحسين : يا يزيد ، أ تأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلام فيه رضا اللَّه ورضا هؤلاء الجلساء وأجر وثواب؟
قال : فأبى يزيد ذلك ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد المنبر لعلّنا نسمع منه شيئاً!
فقال : إنّه إن صعد المنبر لم ينزل إلّا بفضيحتي أو بفضيحة آل سفيان ، قيل له : يا أمير المؤمنين ، وما قدر ما يحسن هذا؟ قال : إنّه من نسل قوم قد رزقّوا العلم رزقّاً حسناً .
قال : فلم يزالوا به ۱حتّى صعد المنبر ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال :
أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ، أيّها