جعلوا ينقصون إلى غير وزر ، ويلوذون منّا بالآكام والحفر ، كما يخاف الحمام من الصقور ، فواللَّه يا أمير المؤمنين ، ما كان إلّا جزر جزور أو نومة قائل حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم بالعراء مجرّدة ، وثيابهم بالدماء مرمّلة ، وخدودهم بالتراب معفّرة .
قال : فأطرق يزيد ساعة ثمّ رفع رأسه فقال : يا هذا ، لقد كنتُ أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين بن عليّ ، أما واللَّه ، لو صار إليّ لعفوت عنه ، ولكن قبّح اللَّه ابن مرجانة!
قال : وكان عبداللَّه بن الحكم أخو مروان بن الحكم قاعداً عند يزيد بن معاوية ، فجعل يقول شعراً . فقال يزيد : نعم ، لعن اللَّه ابن ۱مرجانة إذ قدم على مثل الحسين ابن فاطمة ، أما واللَّه ، لو كنت صاحبه لما سألني خصلةً إلّا أعطيته إيّاها ، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت ولو كان بهلاك بعض ولدي ، ولكن ليقضي اللَّه أمراً كان مفعولاً ، فلم يكن له منه مردّ .
قال : ثمّ اُتي بالرأس حتّى وضع بين يدي يزيد بن معاوية في طشت من ذهب ، قال : فجعل ينظر إليه وهو يقول :
نُفلّق هاماً من رجالٍ أعزّةٍعَلَينا وهُم كانوا أَعَقَّ وأَظلَما
قال : ثمّ أقبل على أهل مجلسه وقال : هذا كان يفتخر عليّ ويقول : أبي خير من أب يزيد ، واُمّي خير من اُمّه ، وجدّي خير من جدّ يزيد ، وأنا خير من يزيد ، فهذا الذي قتله ، فأمّا قوله : إنّ أبي خير من أب يزيد ، فقد حاجّ أبي أباه فقضى اللَّه لأبي على أبيه ، وأمّا قوله : إنّ اُمّي خير من اُمّ يزيد ، فلعمري أنّه صدق أنّ فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللّه عليه و سلم خير من اُمّي ، وأما قوله بأنّ جدّي خير من جدّ يزيد ، فليس أحد يؤمن باللَّه واليوم الآخر يقول : إنّه خير من محمّد صلى اللّه عليه و سلم ، و أمّا قوله : ۲خير منّي۳ ، فلعلّه لم يقرأ