قال : فبينما القوم في جوف الليل قد أقبلوا يريدون معسكر الحسين ، إذ استقبلهم جند عمر بن سعد على شاطئ الفرات .
قال : فتناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالاً شديداً ، وصاح به حبيب بن مظاهر : ويلك يا أزرق ، مالك ولنا؟ دعنا! قال : واقتتلوا قتالاً شديداً ، فلمّا رأى القوم بذلك انهزموا راجعين إلى منازلهم .
فرجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين رضى اللَّه عنه فأعلمه بذلك الخبر ، فقال : لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم .
قال : ثمّ إنّ ابن زياد كتب إلى عمر بن سعد : أمّا بعد؛ فقد بلغني أنّ الحسين يشرب الماء هو و أولاده وقد حفروا الآبار ونصبوا الأعلام ، فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا ، فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيّق عليهم ، ولا تدعهم يشربوا من ماء الفرات قطرة واحدة ، وافعل بهم كما فعلوا بالتقيّ النقيّ عثمان بن عفّان رضي اللَّه عنه ، والسلام .
قال : فعندها ضيّق عليهم عمر بن سعد غاية التضييق ثمّ دعا رجلاً يقال له عمرو بن الحجّاج الزبيدي ، فضم إليه خيلاً عظيمة ، وأمره أن ينزل على الشريعة التي هي حذاء عسكر الحسين رضى اللَّه عنه ، فنزلت الشريعة ، ونادى رجل من ۱أصحاب عمر بن سعد بالحسين فقال : إنّك لن تذوق من هذا الماء قطرة واحدة حتّى تذوق الموت غصّة بعد غصّة أو تنزل على حكم أمير المؤمنين يزيد وحكم عبيد اللَّه بن زياد!!
قال : فاشتدّ العطش من الحسين وأصحابه وكادوا أن يموتوا عطشاً ، فدعا بأخيه العبّاس رحمه اللّه وصيّر إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معهم عشرين قربة ، فأقبلوا في جوف الليل حتّى دنوا من الفرات ، فقال عمرو بن الحجّاج : مَن هذا؟
فقالوا : رجال من أصحاب الحسين يريدون الماء! فاقتتلوا على الماء قتالاً عظيماً ، فكان قوم يقتتلون وقوم يملئون القرب حتّى ملئوها ، فقتل من أصحاب عمرو جماعة ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد . ثم رجع القوم إلى معسكرهم