أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تخذلوني ، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد استوفيتم حقّكم وحظّكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم ، وأهلي وولدي مع أهاليكم ۱وأولادكم ، فلكم فيَّ اُسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ومواثيقكم وخلعتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي! هل المغرور إلّا من اغترّ بكم؟ فإنّما حقّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، وسيغني اللَّه عنكم ، والسلام .
قال : ثمّ طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي ، وأمره أن يسير إلى الكوفة .
قال : فمضى قيس إلى الكوفة وعبيد اللَّه بن زياد قد وضع المراصد والمصابيح على الطرق ، فليس أحد يقدر أن يجوز إلّا فتّش ، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهر لقيه عدوّ اللَّه يقال له : الحصين بن نمير السكوني ، فلمّا نظر إليه قيس كأنّه اتّقى على نفسه ، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره .
قال : وأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّى أتوا به إلى عبيد اللَّه بن زياد .
فقال له عبيد اللَّه بن زياد : مَن أنت؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين الحسين بن عليّ (رضي اللَّه عنهما) .
قال : فلِمَ خرقت الكتاب الذي كان معك؟ قال : خوفاً ، حتّى لا تعلم ما فيه! قال : وممّن كان هذا الكتاب وإلى مَن كان؟ فقال : كان من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم .
قال : فغضب ابن زياد غضباً عظيماً ، ثمّ قال : واللَّه ، لا تفارقني أبداً أو تدلّني على هؤلاء القوم الذي كتب إليهم هذا الكتاب ، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين وأباه وأخاه ، فتنجو من يدي أو لاُقطّعنّك .
فقال قيس: أمّا هؤلاء القوم فلا أعرفهم، وأمّا لعنة الحسين وأبيه وأخيه فإنّي أفعل.