أقبل عليه ، فسلّم ثمّ دنا منه فقبّل يده ، فقال الحسين : من أين أقبلت يا أبا فراس؟
فقال : من الكوفة يا ابن بنت رسول اللَّه ، فقال : كيف خلّفت أهل الكوفة؟ فقال : خلفت الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة ، واللَّه يفعل في خلقه ما يشاء!
فقال : صدقت وبررت ، إنّ الأمر للَّه يفعل ما يشاء وربّنا تعالى كلّ يوم هو في شأن ، فإن نزل القضاء بما نحبّ فالحمد للَّه على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتدِ من كان الحقّ نيّته .
فقال الفرزدق : يا ابن بنت رسول اللَّه! كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم قد قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟ قال : فاستعبر الحسين بالبكاء ، ثمّ قال : رحم اللَّه مسلماً فلقد صار إلى ۱روح اللَّه وريحانه وجنّته ورضوانه ، أما إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا .
قال : ثمّ أنشأ الحسين يقول :
وإن تَكُنِ الدُنيا تُعَدُّ نَفيسَةًفَدارُ ثوابِ اللَّهِ أعلى وأَنبَلُ
إن تَكُنِ الأَبدانُ لِلمَوتِ اُنشِئَتفَقَتلُ امرِئٍ بالسَيفِ في اللَّهِ أفضَلُ
إن تَكُنِ الأَرزاقُ رِزقاً مُقَدَّراًفَقِلّةُ حِرصِ المَرءِ فِي الرزقِ أجمَلُ
إن تَكُنِ الأموالُ لِلتَركِ جَمعُهافَما بَال مَتروكٍ به الخَيرُ يُبخَلُ
قال : ثمّ ودّعه الفرزدق في نفر من أصحابه ، ومضى يريد مكّة . فأقبل عليه ابن عمّ له من بني مجاشع فقال : أبا فراس ، هذا الحسين بن عليّ ، فقال الفرزدق : هذا الحسين بن فاطمة الزهراء بنت محمّد صلى اللّه عليه و سلم ، هذا واللَّه ابن خيرة اللَّه ، وأفضل من مشى على وجه الأرض بعد محمّد ، وقد كنت قلت فيه أبياتاً قبل اليوم ، فلا عليك أن تسمعها .
فقال له ابن عمّه : ما أكره ذلك يا أبا فراس ، فإن رأيت أن تنشدني ما قلت فيه! فقال الفرزدق : نعم ، أنا القائل فيه وفي أبيه وأخيه وجدّه صلوات اللَّه عليهم هذه